تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكذا نقول لِمَن يبيع الفضّة –أو الذهب- بزيادة إلى أجل، كمن يبيع عشرة بعشرين إلى سنة: إنّ مبنى الاجتماع، وأساس الأديان: هو استعمال ما يوجب المحبّة والأُلفة؛ فيحصل التناصر والتعاون، والإنسانُ إذا كان محتاجاً، ووجد من يُسلفه؛ فلا شكّ أنّه يتقلّد مِنَّةَ من أسلفه، ويعتقد محبته، ويرى أنّ نصرته وإعانته أمر لازم له؛ ففي منع بيع الذهب والفضّة بزيادةٍ إلى أجلٍ إبقاءٌ لمنفعة السلف، التي هي من أجلّ المقاصد» (21 ( http://www.mashhoor.net/inside/articles/reply/reply.htm#21)).

قلت: وهذا المعنى يؤكد ما قرّرناه، وفيه ردّ واضح على من جعل النقود والأوراق كسائر السلع، فأجرى فيها الدين مع الزيادة.

ولا بدّ –أخيراً- من التنبيه إلى أمور:

أولاً: لم نستقص فتاوى العلماء المعتبرين، والأئمة المرضيين، من السابقين واللاحقين ما يدفع هذا البلاء الذي جاء به هذا الباحث، فلو أنه أمسك عن التأليف فيه، أو حبسه في صدره، أو جعل أوراقه في أدراجه؛ لأراح واستراح! فما الذي جرَّأه على نشره، والأمّة –إلا من رحم الله- واقعة في هذا البلاء؟! فما مراده من هذا التأليف الذي لم يراجعه له عالم معتبر، ولا فقيه له نظر! وهذه المسائل ما ينبغي لفرد غُمر أن يفتي بها، ويقرّر خلاف ما عليه العلماء والباحثون والمطلعون –فضلاً- عن- الأئمة الأكابر على اختلاف أعصارهم وأمصارهم!

ثانياً: أخطأ الباحث في نقل اختيار بعض الأعلام، ونقل عنهم ما لم يرضوه، والذي وقع فيما نقله من كلامهم من باب الأقوال التي قيلت، وهذا منهج معلوم، وطريق مسلوك، فالجمع شيء، والاختيار والتخريج والترجيح والفتوى شيء آخر، فتعلّق –مثلاً- بكلام للعلامة السعدي، والشيخ -فيما هو معروف عنه ومسطور في فتاويه- يفتي بخلاف ما توصّل إليه الباحث فيما نقلناه عنه، فالعجب منه ينقل باجتزاء وَتَشَهٍّ، ويتقوّل عليه، ويفرّع على أصله بهوى، دون أن يشير إلى مسلكه في الفتوى.

ثالثاً: لم يقتصر التّعدي والتّجنّي على الشيخ السعدي، وإنّما تعدّاه إلى غيره، كعليش -مثلاً- من المالكيّة، فنقل عنه في موطنين (ص34، 43) ما يوهم أنّ اختياره أنّ النقود والأوراق الماليّة عروض تجارية، وبالتالي لا يجري فيها الربا! ورحم الله الثعالبي الحجوي؛ فإنه أورد كلام عليش بطوله، ومما قال في آخر رسالته «الأحكام الشرعيّة في الأوراق الماليّة»: «هذا وإنّ بعض أهل الفتوى ادّعى أنّ الأوراق عروض، وساق كلام عليش باللفظ السابق مستدلاً به، لكن نص عليش السابق مصرّحاً بنفي كونها عروضاً، لنفيه الزكاة عن عينها وقيمتها، وذلك كله غير صواب، كما سبق، والله تعالى أعلم».

وقال –أيضاً- في كتابه «مختصر العروة الوثقى» (ص66): «ومن أخطر الأسباب في أغلاط العلماء ثقتهم العمياء بحفظهم أو بفهمهم، وغلط الفهم أصعب علاجاً، وأمتن اعوجاجاً، وبسببه تشعّب الخلاف في الأمّة، وعزَّ حلّ مشكلاتها من لدن الصحابة إلى الآن، ولولا هذه الثقة لخفَّت أغلاط كثيرة».

رابعاً: اكتفيت في هذه (المقالة) بالرد على مأخذ المسألة، وأصل تكييفها، وتحقيق مناطها، أمّا النقولات التي أوردها مجتزأة؛ موظفاً إياها لنصرة اختياره، دون نظر إلى المعتمد المقرّر عند أصحابها، فهذا له شأن آخر، والمثال السابق عن الفقيه المالكي الشيخ عليش يدلُّك على ذلك.

وأُراني مضطراً إلى إلجام القلم، وعدم إرساله في التفصيل بعد ذلك التأصيل، وفيما ذكرناه كفاية لمن رام الحق، واتّبع السبيل، وأنصف ولم يعاند، ورحم الله ابن القيّم القائل في كتابه الماتع النافع «إعلام الموقعين» (5/ 387 - 388 - بتحقيقي): «ولا يوحشنّك مَن قد أقرّ على نفسه هو وجميع أهل العلم أنه ليس من أولي العلم، فإذا ظفرت برجل واحد من أولي العلم طالب للدليل، مُحَكم له، متّبع للحق حيث كان، وأين كان، ومع من كان: زالت الوحشة، وحصلت الألفة، ولو خالفك فإنه يخالفك ويعذرك، والجاهل الظالم يخالفك بلا حجّة، ويُكفّرك أو يبدّعك بلا حجّة، وذنبك رغبتك عن طريقته الوخيمة، وسيرته الذميمة، فلا تغترّ بكثرة هذا الضرب، فإنّ الآلاف المؤلفة منهم لا يعدلون بشخص واحد من أهل العلم، والواحد من أهل العلم يعدل بملء الأرض منهم».

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير