تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبعد، معشر الحضور الكرام، رجال هذا المجمع مع الاحتفاظ بكريم الألقاب وعواليها لحضراتكم الكريمة، أهدي لكريم مسامعكم من ردهة هذا المجمع، ونحن نعايش جملا من جلائل النعيم وعظيم المآثر فنحن في بلد الله الحرام دار أمنه وموئل حرمته وفي أول مجمع للفقه الإسلامي يكون على وجه البسيطة بهذه الصفة إذ يتبناه من بسط الله أيديهم على البلاد والعباد فهذا المجمع شعاع هبط علينا من ملوك ورؤساء وأمراء العالم الإسلامي بفضل من الله وتوفيقه واستشعارا بمدى حاجة الأمة المحمدية إلى تزكية سدتها وقوتها العاقلة بالعلم الشرعي الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فحق للسان أن يتحرك رطبا بذكر الله {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ} [الأعراف: 86]، ومن الجاري ظفر الطالبون واتصل الوصل وفاز الأحباب بالأحباب، لقد جاء هذا المجمع في وقت رثت فيه حبال الأمة فاشتدت حاجتها إلى تزكيتها، إلى تزكية سدتها وقوتها بالعلم الشرعي الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلكم بلم شتات طاقاتها الإسلامية المبعثرة من رجال مخلصين برزوا في حلائب العلم يسيرون على النهج السوي وينهلون من المشرع الروي لينهضوا بجناحه المهيض إلى مطار السؤدد والمجد.


إن هذا المجمع نشر السرور لبناة المجتمع الإسلامي من سروات الرجال وخيارهم، ورأوا في مولده بروز عهد جديد لاستكمال الوجود الإسلامي في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وحرك باب الرجاء في هذه الأمة الكريمة، وإن من لطائف الصدف ويمن الطالع أن تنطلق الدعوة الكريمة إلى هذا المجمع عزمة من عزمات خادم الحرمين الشريفين بمحضر من قادة العالم الإسلامي فيجتمع رأيهم بالإجماع على ذلك وأن هذا المجمع يشبه تماما أول ميثاق نشأ على وجه هذه الأرض المقدسة إذ حضره النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعثته، وأقره بعد نبوءته ورسالته، فقال: ((لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا لو دعيت به في الإسلام لأحببت)) ذلكم هو ما عرف فيما بعد باسم "حلف الفضول" إذ تحالفوا على رد الفضول إلى أهلها، وردع الظالم ونصرة المظلوم.
واليوم يأتي ذلك المجمع على حين فترة ليكون حصنا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم من دواعي الانحلال والتفسخ وعوامل الفرقة والتفكك، إنه ليقوم في هذه الأمة مقام الوالد بنشر أنوار التنزيل والسنة المشرفة في عقيدة الأمة وسلوكها وأخلاقها وشتى دروب حياتها، إنه لانقاذها من أمور ألمت بها إذ أصابها رذاذ من وابل أعدائها فغشي على طريقها ما غشى، ولإنقاذها من ظلمات ثلاث طالما تهافتت هي ظلمة في العقائد وظلمة في الأنفس وظلمة في الأحكام، إنه يهدف إلى تجاذب بردة المساجلة لسوابح الأفكار وسوابق الأقلام في الأمور الاجتهادية بين ثلة من علماء الإسلام حتى تنزل تلكم الأمور الاجتهادية منزلتها من العقل والدين إنه يهدف إلى إعمال وصل الأمة بربها وإعلائها عن مراتب الضعف والهوى وعن قاطعات الأرحام وجازمات حبال الإخاء وان هذا المجمع بقدر ما له من أهداف سامية بعيدة المدى وعميقة، فإنه ينطلق من أسس متينة وجذور عميقة ذلكم أنه يسير في خطوطه العريضة المتمثلة في أمور من أهمها: إيجاد معلمة للفقه الإسلامي تكون خالصة من الرأي الهجين والمقرف والدخيل متخلصة من شوائب القوانين الوضعية بصورها وأشكالها فضلا عن الحقائق وإعدادها. ومنها التصدي للفتيا في نوازل العصر ومسائل العلم وقضاياه. ومن أهمها مثاقفة الداء العقام الذي نسميه بالاستعمار الفكري، ولو أنصفنا لتابعنا العلامة الطاهر ابن عاشور في تسميته له بالطاعون حتى يضحي ذلك الاستعمار أو ذلكم الداء العضال كحرف لا يقرأ بين أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

معشر الحضور الكرام إن هذا المجمع كما يعلم الجميع ينبني على قاعدتين أساسيتين مشتبكتين اشتباك الروح بالهيكل، القاعدة الأولى:
تمحض المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فهذا المجمع تبتدئ وتنتهي قراراته وبحوثه ومداولاته في مضمار مناهج الأدلة الشرعية من الكتاب الكريم وصحيح السنة وسليم القياس وصالح الإجماع وما جرى مجرى ذلك من الأدلة التبعية. هذا مع وافر الحرمة والتقدير لعلماء الإسلام وأئمته الكرام بفضل سابقتهم في الإسلام والعلم والبيان.
القاعدة الثانية: تمحض صدق النية مع الله سبحانه وتعالى فيما نأتي ونذر من أقولنا وأعمالنا فإنه إذا صدقت النية وصلحت العزيمة فإنه يظفر الطالب بالمطلوب ويتحقق للمؤمل المأمول.
معشر الحضور الكرام، إنني أجد في الوقت الذي أجد فيه شرفا عظيما في اختياركم لي رئيسا لهذا المجمع، فإنني أجد ما يغطي ذلك من أن هذا تكليف لي وأنه أمانة عظمى أرجو من الله سبحانه وتعالى أن يعينني على أدائها وأن يوفقنا وإياكم لكل عمل صالح مبرور وإنني أقدم لكم شكري وخالص تقديري وامتناني واسمحوا لي أن قصرت في إبداء ما يجب لكم من الشكر والامتنان، فإن العرب قد مدحت العي في بعض المواضع، فقالت: "رب إشارة أبلغ من عبارة" إذا فلا جناح على في سلوك ذلكم الطريق المعبد، طريق الاعتراف بالعجز والتقصير عن إبداء ما يجب لكم من الشكر والتقدير، وأرجو من الله سبحانه وتعالى أن أكون عند حسن ظنكم، وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يوفقنا جميعا لكل عمل صالح مبرور وأن يأخذ بأيدينا دائما وأبدا إلى ما فيه صلاح الأمة في أولاها وأخراها، والله خليفتي عليكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير