ما أسعدها من لحظات قضيتها مع صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبد العزيز آل سعود - حفظة الله - بين يدي هذه الدورة منذ لحظات وكان أن سمعت مع بعض أصحاب الفضيلة المشايخ لفتة كريمة واهتماما كريما بشئون العالم الإسلامي وبخاصة فيما يتعلق بأحوال غير المسلمين في البلاد غير الإسلامية وما ينبغي من اليسر والسهولة وإبلاغهم دين الله وشرعه على أتم وجه وأحسنه. وإن من المنافذ التي تصد دون ذلك تعدد الفتوى واضطرابها وبين يدي ذلك أقوال: إن الأمة وإن اعتراها ضروب من المذاهب المادية في جل ديارها، ثم كتب لها أن تكشفت أو تحطمت على صخرة الإسلام وتسللت عن ديار الإسلام لواذا، وما بقي إلا فلول جمع مهزوم مقهور مغلوب يعلنون إفلاسهم وفشل مبادئهم وانتماءاتهم، فإن هناك طلائع أنوار الكتاب والسنة التي تنتشر على أيدي رجال ما ساروا مسيرا إلا كانوا من السنن حيث كانت مضاربها، ومع الشريعة حيث كانت مساكنها، يدلون على الله بهديهم وصالح أعمالهم قبل أن يدلوا عليه بأقوالهم، فأحيوا سيرة السلف الصالحين من الصحابة والتابعين، فكأنما ألحقوا الأحفاد بالأجداد ووطئا على أعقابهم الرجال، ضاربين شوطا بعيد المدى، متغلغلا في حقب التاريخ ومسارب الحياة ليمتاح من هدي أمته في سيرتها الأولى. شاهد المسلمون واستبشروا بذلك ميلاد يقظة إسلامية مباركة علا فيها الحق على الباطل {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} [سورة الرعد: آية 17].
إذا كانت الحال كذلك فإنه بدا في الصف المقابل عنق سوادي يلفح بسموم لا بارد ولا كريم، يجمع ذلك ما نشاهده من دخول عير المختصين في غير اختصاصهم، أنها وثبات على الشريعة تفرز للأمة الهوس الفكري والعبث التراثي والضرب في المقامات والتعدي على الحرمات إلى أخر تلك المنظومة العدائية الفسلة والذي تولى كبرها ونفخ في كيرها دخول غير المختصين في غير اختصاصهم، فهل سمعت الدنيا بطبيب يباشر عملاً هندسياً وهل سمعت وسمعت؟ ولكن كم رأى الراءون وسمع السامعون، الخوض من أناس في لجب الشريعة وحضارها، فحللوا وحرموا، وأمروا ونهوا وبدأوا وأعادوا، وقالوا على الله ورسوله ما لم يسعه دليل من كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ذلك أنا نشاهد في الساحة عدة وثبات من التجاسر على دين الله وشرعه يجمعها كما أسلفت وثبة التجاسر من غير المختصين في غير اختصاصهم، وثبة الذين لم يثافنوا بالركب للتفقه في الدين على أحكام الله وشرعه، وأخت لها وثبة الاعتداء بأقلام مأجورة مأزورة على مقام السنة المشرفة المرفوعة، إلى آخر تلكم الوثبات التي تمثل الاسترسال مع الأهواء والأغراض والأغراض والتخبط في مضاجع الفساد والتقلب في عدة أوجاع، فأثاروا - والله حسيبهم - بذلك عقدة الخصومة الملدة والشطط، وأثاروا مرض الشبهة وحركوا الشبهات، وأثاروا تحويل أحكام الكتاب والسنة إلى قضايا فكرية تحول حسب لغة الحامل والمحمولة إليه، فأبقوا بذلك نائم الأهواء، وأخضعوا العلوم الشرعية لفروضات العقل، وأخضعوها للتذوق، والتذوق أو الذوق مصدر سيال متحرك من شخص إلى آخر، ولكن نقول لهم أمام ذلك إن فطرة المسلمين وإن علماء المسلمين يقول لسان حالهم لكل هذه البدوات الآثمة التي تخالف دين الله وشرعه - يقول لسان حالهم - يا أوراق يا أقلام ارجعي أدراجك، فإنك لم تهتكي الستر على نيام ولم تطرقي الحمى على سواد مغفل، ولا يهولنك هملجة البراهين ولا تصعيد المعتلين، فإنك بذلك نسألك بالله أن تنزعي هذا البرقع وهلم نحتكم على سفور ومكاشفة عائذين بالله أن نقول بالسفور في نساء المسلمين، لأن كل واحد من المسلمين ينشد لمحارمه ما قاله حسان رضي الله عنه لأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها:
حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ فَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ
وفوق ذلك: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [سورة الأحزاب: آية 53]
وعائذين بالله أن نطلب على تلكم المناظرة قرضاً فضلاً عن أن يكون بفائدة لأن شيمة المسلمين هي الكسب الحلال.
صاحب السمو الملكي
أيها العلماء الأجلاء
أيها الجمع الكريم
لا بد لأبناء النشأة الآخرة من علاج لهذه العلل الفاقرة، ألم يأن للذين أمنوا أن تكون لهم قلوب واعية وآذان صاغية ليردوا تلكم الهجمات الشرسة فيثبوا على أولاء وثبة رجل واحد بأقلام يمدها العلم والإيمان وبألسنة تنطق بالسنة والقرآن ليعيش المسلمون تحت سرادق السعادة مستظلين تحت لواء الشريعة لا يزاحمهم فيه مزاحم؟
إن المسلمين يقلبون أبصارهم في الحجب لينظروا كوة تنفتح منها بوارق الشريعة، فتحرق تلكم الهجمات الشرسة، وتقيم دين الله وشرعه، وتنشر راية التوحيد، وتنشر أحكام الكتاب والسنة بلا عوج ولا أمت، ولا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك.
وأنتم أيها العلماء الأجلاء، أيها المجمعيون، محل أمل لأمتكم، فابصروا رحمكم الله تعالى واقع أمتكم وأوفوا بعقدكم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [سورة المائدة: آية 1]
{فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ} [التوبة:111] {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا} [سورة الكهف: آية 46] وما هذه الحياة الدنيا إلا لحظات، فما هي إلا ساعة ثم تنقضي ويذهب هذا كله ويزول وصدق الله: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [سورة العنكبوت: آية 64].
ثبتنا الله وإياكم على الإسلام ورزقنا جميعاً العلم النافع والعمل الصالح. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بكر بن عبد العزيز أبو زيد
¥