أجيب أنّه إنْ ثبث وصحّ عن ابن مسعود هذا فإنّه لا حجّة في أحد مع القرآن إلاّ في الذي أمر ببيانه وهو رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.
4 - الدليل من القياس في ثلاثة أوجه:
(1) قال تعالى:?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتىَّ تَغْتَسِلُوا وَإِن كُنتُم مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنكُم مِنَ الغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا? [النساء الآية:43].
وقال تعالى:?فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِنْهُ? [المائدة: الآية 6].
فبدأ بالوجه قبل اليدين وقع في البخاري من حديث عمّار في باب التيمّم ضربةً، ذكر اليدين قبل الوجه فهو قياس على تنكيس الوضوء.
وفي رواية عن عمّار بن ياسر رضي الله عنه قال: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ فَقَالَ: إِنَّمَا يَكْفِيكَ أَنْ تَصْنَعَ هَكَذَا فَضَرَبَ بِكَفِّهِ عَلَى الأَرْضِ ثُمَّ نَفَضَهَا ثُمَّ مَسَحَ بِهَا ظَهْرَ كَفِّهِ بِشِمَالِهِ أَوْ ظَهْرَ شِمَالِهِ بِكَفِّهِ ثُمَّ مَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ…» الحديث.
قال ابن حجر: «فيه أنّ الترتيب غير مشترط في التيمّم».
فمتى سقط اشتراطه في التيمّم سقط في الوضوء إذ لا قائل بالفرق.
(2) أنّ الوضوء طهارة من حدث فلم يجب فيها ترتيبٌ قياسًا على غسل الجنابة لأنّه بالإجماع ألاّ ترتيب في غسل أعضاء الجنابة، فكذلك غسل أعضاء الوضوء، لأنّ الْمَغيّ أو الغاية في ذلك الغسل لا التبدية.
أجيب عن قياسهم على غسل الجنابة أنّه قياس مع الفارق لأنّ جميع البدن للجنب شيء واحد فلم يجب ترتيبه كالوجه بخلاف أعضاء الوضوء فإنّها متغايرة متفاضلة.
والدليل على أنّ بدن الجنب شيء واحد أنّه لو جرى الماء من موضع منه إلى غيره أجزأه كالعضو الواحد في الوضوء بخلاف الوضوء فإنّه لو انتقل من الوجه إلى اليد لم يجزه.
(3) وذلك قياسًا على تقديم اليمين على الشمال.
وأجيب عن هذا القياس من وجهين:
الأوّل: أنّ الله تعالى رتّب الأعضاء الأربعة وأطلق الأيدي والأرجل ولو وجب ترتيبهما لقال وأيمانكم.
الوجه الثاني: أنّ اليدين كعضو واحد لانطلاق اسم اليد عليها فلم يكن فيها ترتيب كالخدّين بخلاف الأعضاء الأربعة فإنّها متغايرة منفصلة بعضها عن بعض.
أمّا استدلال القائلين بعدم وجوب الترتيب بالاستصحاب، وذلك أنّ الأصل لا تكليف فلا حاجة إلى إقامة الدليل على عدم الافتراض وإنّما مدّعيه هو الذي مطالب به.
5 ـ أمّا استدلالهم بالمعقول:
فإنّ الله عزّ وجلّ قدّم الوجه على اليدين واليدين على الرأس والرأس على الرجلين، كما قدّمت اليمنى على اليسار، وذلك أنّ أعضاء الوضوء انقسمت إلى مكشوف غالبًا، وهو الوجه واليدان وإلى ما يتّخذ له ساتر على حِياله وهو الرأس والرجلان فكانت البداءة بالوجه واليدين أولى لتعرّضهما للتلويث؛ والوجه أشرفهما ثمّ قدّم الرأس على الرجلين لأنّه أشرف المستورين وكلّ هذا على سبيل الاستحباب.
القول الراجح:
بعد عرض أدلّة الفريقين مع بيان أوجه دلالتها تبيّن أنّ الواو لا توجب رتبة حتى قال الإمام الجويني: «ومن ادّعى أنّها توجب رتبة فهو مكابر» وصوّبه النووي.
وأيضًا لا يمكن أنّه إذا صحب الواو بيان يوجب التقدمة كما ورد البيان بالإجماع في قوله تعالى:?ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا?وفي قوله تعالى أيضًا:?إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللهِ?الآية، جاء البيان قي قوله صلى الله عليه وسلَّم فيها: «نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ»، فوجب ذلك كلّه لموضع البيان.
¥