(عن أَبَي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
جَاءَ بِلَالٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرٍ بَرْنِيٍّ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَيْنَ هَذَا قَالَ بِلَالٌ كَانَ عِنْدَنَا تَمْرٌ رَدِيٌّ فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ لِنُطْعِمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ أَوَّهْ أَوَّهْ عَيْنُ الرِّبَا عَيْنُ الرِّبَا لَا تَفْعَلْ وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ فَبِعْ التَّمْرَ بِبَيْعٍ آخَرَ ثُمَّ اشْتَرِهِ) متفق عليه
هذه خلاصة الأدلة في هذه المسألة (الحيل المحرمة، والمخارج الجائزة)
وجه التفريق بين الحيل المحرمة والخارج هو الآتي (في نظري):
أ - (أن المحتال يقع في الحرام وذلك بفعل عين الحرام مع زيادة التحايل) كما في مسألة أصحاب السبت فهم وقعوا بالحرام إذ ما فعلوه في السبت من تحايل هو وقوع فيه فقد اصطادوا يوم السبت (بوضعهم الشباك قبل يوم السبت) وزادوا الطين بله بالمخادعة وأنهم لم يصطادوا بينما هم واقعون في ذلك .. .
0مثال ذلك بيع العينة وهو أن يبيع رجل سلعة بأجل (بأكثر من قيمتها) إلى آخر ثم يشتريها منه نقدا (بأقل مما باعه) كمن يبيع سلعة ب 80 إلى أجل ثم يشتريها ب 50 نقدا ..
ووجه الذم هو (أنهم أدخلوا السلعة حيلة على الربا والسلعة ليست مقصودة، فقط أنهم جاؤوا بها للتحايل فوقعوا في الحرام والرسول صلى الله عليه وسلم (نهى بيعتين في بيعه) والبيعتين في بيعه هو بيع العينة كما قال ابن القيم ووافقه جمع من أهل العلم.
ب - (أن المحتال يخالف مقصود الشارع بفعل أمر ظاهره الجواز)! كيف ذلك ..
مثل مسألة نكاح التحليل فالناكح نكاح تحليل جاء بعقد جائز بشروطه من ولي وشاهدي عدل كما هو عمل الجمهور فهذا النكاح لا يجوز مع أنه جاء بالشروط! لماذا؟ لأنه خالف مقصود الشارع إذ إن الشارع أراد من النكاح العشرة الطيبة والألفة بين الزوجين حتى يدوم بذلك الائتلاف والموافقة ويبتعد وقوع الطلاق الذي هو أبغض الحلال عند الله فلما كان الناكح متحايل عليه بالصورة أصبح مذموما ...
الخلاصة في معرفة أنها حيلة (في نظري) أمرين:
1 - أن يأتي الحرام بصورة آخرى (مخادعة للشرع بغباءه) مع زيادة نية التحايل
(كبيع العينة)
2 - أو مخالفة مقصود الشرع وإن كان ظاهر العقد صحيح بشروطه. (كنكاح التحليل)
أما مسألة المخارج وهي الجائزة وهي التي انتفى عنها الأمرين السابقين (في مسألة الحيلة):
كما جاء الحديث حيث أنه باع صاعين تمر (غير جيد) بصاع تمر (جيد) فقال له النبي صلى الله عليه وسلم عين الربا ثم أرشده بالمخرج وقال (لَا تَفْعَلْ وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ فَبِعْ التَّمْرَ بِبَيْعٍ آخَرَ ثُمَّ اشْتَرِهِ)
حيث أرشده النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيع تمره (الصاعين الغير جيد) ثم إذا باعها يذهب ويشتري بقيمتها تمر جيد فهذا مخرج جائز ولله الحمد وليس فيه حيلة إذ هو بيع مما أحله الله وإرشاد من النبي صلى الله عليه وسلم.
ولنضرب على ذلك مسائل مشهورة مما اختلف فيها اختلافا قويا مثل مسألة التورق .. والمرابحة للآمر بالشرا ء .. هل ذلك من التحايل أم من المخارج .. وهي ما بين مجيز ومانع وذلك حسب الفهم للمسألة
نطبق هاتان المسألتان على ما ذكرته أعلاه ثم نخرج بالحكم (فقط تأمل وليست فتوى):
مسألة التورق: هي أن تشتري سلعة (من تاجر وغيره زاد عن ثمنها نقدا) بأجل ثم تبيعها على آخر بنقد.
هل هذه المسألة حيلة على الربا أم أنها مخرج!؟:
أولا اشترى سلعة بأجل فهذا لا بأس (طبعا البائع زاد من القيمة مقابل الأجل فهذا لا بأس به لأنه زاد من قيمة السلعة وهو بيع كما هو معلوم أن البيع حلال وليست كزيادة القرض فهي تختلف عنها)
ثانيا باعها على آخر فهذا بيع صحيح بعد تملك صحيح مقصود ..
إذا ماهو الإشكال عند المانعين (الإشكال هو أنها شبه حيله لأنه لم يقصد السلعة، أراد العين (النقد فقط) وأما السلعة فغير مقصودة). الجواب على ذلك: أنها ليست حيلة إذ السلعة مقصودة بذاتها بدليل أن المشتري تملكها فإذا تملك السلعة جاز له بيعها لأن الشرع أحل البيع (وأحل الله البيع وحرم الربا) وأيضا بعد أن اشترى السلعة وباعها لم يخالف مقصود الشارع في بيعه إذ إن البيع جائز
الخلاصة في مسألة التورق:
1 - أنه اشترى السلعة بأجل وهذا بيع لا بأس به
2 - أنه إذا باعها مباشرة لم يخالف مقصود الشارع (إذ إن الشرع أجاز البيع إذا تملك السلعة)
ملاحظة: قد استوقفتني مسألة التورق كثيرا كيف لا! وشيخ الإسلام رحمه الله يراجع مرار ويمنعها
وأيضا مسألة صورة التورق، ونكاح التحليل إذ إن نكاح التحليل مبني على عقد صحيح بشروطه وكذلك التورق مبني على عقد صحيح .. فحيرتني كثيرا .. إلا أن التفريق بينهما (في نظري بعد تأمل) ليس من ناحية صورة العقد الصحيحة وإنما لأن نكاح التحليل خالف مقصود الشارع إذ إن الشارع أراد من النكاح العشرة الطيبة والألفة بين الزوجين حتى يدوم بذلك الائتلاف والموافقة ويبتعد وقوع الطلاق الذي هو أبغض الحلال عند الله
أما بيع التورق فبيع أباحة الله ولا يخالف مقصود الشارع .. (وأحل الله البيع)
هذا ما تأملته في المسألة (لعل الأفاضل يرشدوني هل أصبت أم أخطأت أم ماذا)
والله أعلم
¥