واستحب طائفة أخرى من أصحاب الشافعي وغيره الدعاء عقيب الصلوات الخمس وكلهم متفقون على أن من ترك الدعاء لم ينكر عليه.
ومن أنكر عليه فهو مخطئ باتفاق العلماء فإن هذا ليس مأمورا به لا أمر إيجاب ولا أمر استحباب في هذا الموطن والمنكر على التارك أحق بالإنكار منه بل الفاعل أحق بالإنكار فإن المداومة على مالم يكن النبي يداوم عليه في الصلوات الخمس ليس مشروعا بل مكروه كما لو داوم على الدعاء قبل الدخول في الصلوات أو داوم على القنوت في الركعة الأولى أو في الصلوات الخمس أو داوم على الجهر بالاستفتاح في كل صلاة ونحو ذلك فإنه مكروه وإن كان القنوت فى الصلوات الخمس قد فعله النبي أحيانا وقد كان عمر يجهر بالاستفتاح أحيانا وجهر رجل خلف النبي صلى الله عليه وسلم بنحو ذلك فاقره عليه فليس كل ما يشرع فعله أحيانا تشرع المداومة عليه
ولو دعا الإمام والمأموم أحيانا عقيب الصلاة لأمر عارض لم يعد هذا مخالفا للسنة كالذى يداوم على ذلك والأحاديث الصحيحة تدل على أن النبي كان يدعو دبر صلاة قبل السلام ويأمر بذلك كما قد بسطنا الكلام على ذلك وذكرنا ما في ذلك من الأحاديث وما يظن أن فيه حجة للمنازع في غير هذا الموضع وذلك لأن المصلى يناجى ربه فإذا سلم انصرف عن مناجاته ومعلوم أن سؤال السائل لربه حال مناجاته هو الذى يناسب دون سؤاله بعد إنصرافه كما أن من كان يخاطب ملكا أو غيره فإن سؤاله وهو مقبل على مخاطبته أولى من سؤاله له بعد إنصرافه.
وسئل عن هذا الذى يفعله الناس بعد كل صلاة من الدعاء هل هو مكروه؟
وهل ورد عن أحد من السلف فعل ذلك ويتركون أيضا الذكر الذى صح أن النبي r كان يقوله ويشتغلون بالدعاء فهل الأفضل الاشتغال بالذكر الوارد عن النبي r أو هذا الدعاء؟
وهل صح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه ويمسح وجهه أم لا؟ ا
فأجاب: الحمد لله رب العالمين الذي نقل عن النبي من ذلك بعد الصلاة المكتوبة إنما هو الذكر المعروف كالأذكار التي في الصحاح وكتب السنن والمسانيد وغيرها مثل ما في الصحيح أنه كان قبل أن ينصرف من الصلاة يستغفر ثلاثا ثم يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام.
وفى الصحيح أنه كان يقول دبر كل صلاة مكتوبة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد.
وفى الصحيح أنه كان يهلل هؤلاء الكلمات في دبر المكتوبة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا حول ولا قوة إلا بالله لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون.
وفى الصحيح أن رفع الصوت بالتكبير عقيب انصراف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله وأنهم كانوا يعرفون انقضاء صلاة رسول الله بذلك وفى الصحيح أنه قال:من سبح دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وحمد ثلاثا وثلاثين وكبر ثلاثا وثلاثين فتلك تسع وتسعون وقال تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قديرغفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر.
وفى الصحيح أيضا أنه يقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر ثلاثا وثلاثين وفى السنن أنواع أخر.
والمأثور ستة أنواع:
أحدها: أنه يقول هذه الكلمات عشرا عشرا فالمجموع ثلاثون.
والثاني: أن يقول كل واحدة إحدى عشر فالمجموع ثلاث وثلاثون.
والثالث: أن يقول كل واحدة ثلاثا وثلاثين فالمجموع تسع وتسعون.
والرابع:أن يختم ذلك بالتوحيد التام فالمجموع مائة.
والخامس: أن يقول كل واحد من الكلمات الأربع خمسا وعشرين فالمجموع مائة.
وأما قراءة آية الكرسي فقد رويت بإسناد لا يمكن أن يثبت به سنة.
وأما دعاء الإمام والمأمومين جميعا عقيب الصلاة فلم ينقل هذا أحد عن النبي r ولكن نقل عنه أنه أمر معاذا أن يقول دبر كل صلاة اللهم أعنى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ونحو ذلك ولفظ دبرالصلاة قد يراد به آخر جزء من الصلاة كما يراد بدبرالشيء مؤخره وقد يراد ما بعد انقضائها كما في قوله تعالى: وأدبار السجود.
وقد يراد به مجموع الأمرين وبعض الأحاديث يفسر بعضها بعضا لمن تتبع ذلك وتدبره وبالجملة فهنا شيئان:
¥