ولك أخي أن تتأمل ما قاله الدكتور في أول رسالته حتى تعلم أني لا أخالفه ولا غيري من المسلمين في أصل مشروعية الوعظ لقد أنكر الدكتور حفظه الله تعالى في أكثر من موضع على منكر الوعظ فقال في صدر الرسالة " لإظهار الحق بالدليل الشرعي لمن يدعي بدعة الوعظ والدعاء للميت على المقبرة ولست أدري من الذي ابتدأ القول بمنع الموعظة ...... " وقال أيضا " لولا أن نابتة من الشباب كثر في الناس عديدها وعلا في مواطن كثيرة صوتها زعموا حرمة الموعظة على القبر ...... "
أقول إنني ما أنكرت الوعظ فهو أمر معلوم فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لكن ما هي كيفية الوعظ هل كان النبي قائما قيام الخطيب للجمعة كما نرى وهل حافظ عليها محافظته على الرواتب كما نرى من إخواننا في هذه الأيام لقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن العبادات مرجعها إلى الشرع لا اجتهاد الرجال وأقوالهم فقال في غير موطن خذوا عني كما في حديث الحج " خذوا عني مناسككم () " وقوله " خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا () " وقال " اتركوني ما تركتكم فإذا حدثتكم فخذوا عني فإنما هلك من كان من قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم () " وفي أكثر من قول للنبي صلى الله عليه وسلم يبين فيه أنه المرجع للتشريع بما معه من كتاب وبيان له فهل نحن منكرون للموعظة أم لدخيل علها ليس من أصلها فتأمل أخي رعاك الله.
ذكر بعض القواعد التي تبين البدعة ولا سيما ما يخص البحث
1. لا يجوز اختراع عبادة في الدين وإلا فهو تقديم بين يدي الله ورسوله.
2. البدعة محرمة بكل حال ولا تقسيم لها شرعا.
3. ترك النبي صلى الله عليه وسلم للأمر مع قدرته على إنفاذه مع وجود الداعية إليه فإن فعله غير مشروع.
4. إذا كان الأمر حقا في ذاته ولم ينتج عنه الخير المرجو بل تحول إلى شر وبلاء وجب الإقلاع عنه.
5. الشبهة والفتنة إن شابت أمرا غير منصوص عليه فلا يتعدى إلى غير أصله بل يجب التوقف لانسحابه في دائرة التعبد لا المعاني وإن دخلت ضمنا.
6. الأصل في أفعال النبي صلى الله عليه وسلم التشريع ما لم يرد ما يخصص وليس مجرد فعل النبي صلى الله عليه وسلم لأمر ما وتركه حينا آخر أن تفعله على الدوام على ما سنمثل له.
7. أن العام إذا لم نجد الصحابة عملوا بجزئية من جزئياته علمنا أن تلك الجزئية غير مرادة للشارع وأن العمل بها بدعة.
إذا ما علمت أخي هذه القواعد المعرفة للعبادة من غيرها الفاصلة بين البدعة وما لا يدخل فيها انبرى عنك ما كان وحل مكانه بصر جديد بأمور الدين هذا لمن كان حريصا على دينه صلبا فيه أما صاحب الهوى فسرعان ما يعض بناجذيه على الهنات تاركا ضوء النهار إلى ضوء القمر مع حاجته إلى الضياء بل ربما إلى ظلمة الليل موليا عن نداء الحق سائرا خلف أقوال فلان وفلان فالله ولي الهدى والرشاد وبه وحده المستعان.
فصل فيه ذكر أحاديث الوعظ وبيان قلتها والأدلة التي تبين بدعة المداومة
أخي القارئ إنك لو تأملت ما جاء في الوعظ عامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لربما وجدتها ما تجاوزت أصابع اليد الوحدة بل إن الأمر كذلك وهاك أخي الأحاديث كلها أسردها ثم أبين ما اشتملت عليه من أحكام:
الحديث الأول: ما أخرجه البخاري رحمه الله تعالى وأدرجه تحت باب " موعظة المحدث عند القبر وقعود أصحابه حوله " فقال " حدثنا عثمان قال حدثني جرير عن منصور عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن عن علي رضي الله عنه قال
: كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا النبي صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله ومعه مخصرة فنكس فجعل ينكت بمخصرته ثم قال (ما منكم من أحد ما من نفس منفوسة إلا كتب مكانها من الجنة والنار وإلا قد كتب شقية أو سعيدة). فقال رجل يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة وأما من كان منا من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة؟ قال (أما أهل السعادة فييسرون لعمل السعادة وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل الشقاوة (). ثم قرأ {فأما من أعطى واتقى}. الآية ()
وأخرجه مسلم بلفظ مقارب فقال "حدثنا عثمان بن أبي شيبة وزهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم - واللفظ لزهير - (قال إسحاق أخبرنا وقال الآخران حدثنا) جرير عن منصور عن سعد بن عبيدة عن أبي عبدالرحمن عن علي قال
¥