تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[من هموم التفسير: الأدوات الاصطلاحية ..]

ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[04 - 01 - 08, 07:26 م]ـ

[من هموم التفسير: الأدوات الاصطلاحية ..]

لم تغب أهمية المصطلحات عن القدماء فقد اعتبروها-بحق-مفاتيح العلوم ... أما في عصرنا هذا فقد زادت أهميتها بحيث أصبحت دليلا على تماسك العلم أو سفسفته ... بل معيارا لتصنيف الفكر البشري لعلم، ولشبه- علم، و لا علم.

ما الفرق مثلا بين النظرية الماركسية والفيزياء الحديثة؟

لماذا يتفق فقهاء العلم على علمية الفيزياء ويشكون في علمية الماركسية!

يقولون الفرق ليس في النتائج .. فالنسبية هي قدر مشترك لا مفر منه في النظريتين .. ولا في الأخطاء فهي واردة على الجميع .. لكن الفرق الحقيقي في الدقة الاصطلاحية ..

فمصطلح "كتلة"أدق بكثير من مصطلح "ديموقراطية" ومصطلح "زمن" في الفزياء أدق بكثير من مثيله في الميتافزيقا ..

باختصار ثمة دائما تناسب بين حظ المصطلح من الدقة وحظ الخطاب الذي يرد فيه من العلمية ..

ووضعية علم التفسير الراهنة لا تعد بشيء ذي بال ... ما دام الاصطلاح فيه مضطربا مفتوحا على كل الرغبات ...

نأخذ مثلا مصطلح "الإعجاز العددي ":

لا أحد –حسب علمي-من مستعملي هذا الاصطلاح كلف نفسه عناء مساءلة اصطلاحه .. مع أن الإشكال الذي يطرحه مثلث:

إشكال "الإعجاز"وإشكال "العدد"وإشكال النسبة.

مفهوم الإعجاز لوحده قضية كبرى ..

فالسلف استعملوه بمعناه اللغوي .. انطلاقا من آيات المعاجزة التي قضت بعجز الثقلين عن الإتيات بمثل هذا القرآن كليا أو جزئيا .. وقد اختلفوا في المقدار المعجز منه بعد اتفاقهم على إعجاز السورة منه لورود المفهوم:

{وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} البقرة23

فذهب بعضهم إلى أن أقل قدر معجز هو ثلاث آيات .. محتجين بأن سورة الكوثر معجزة إجماعا .. ولما كان عدد آياتها ثلاثا فقد تحدد تبعا لذلك القدر المعجز ..

وهذا -في نظري- باطل .. للزوم أن يكون قوله تعالى:

الْحَاقَّةُ {1} مَا الْحَاقَّةُ {2} وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ {3}

معجزا .. لتوفر النصاب العددي ...

وتكون آية الكرسي-أو آية الدين- غير معجزة لتخلف النصاب!!

هذه النظرة التكميمية القائمة على العدد لا تصلح لبيان الإعجاز .... فالإعجاز يسري في القرآن كله وادعاء أنه يوجد حد أدنى يتجلي فيه باطل مثل من يبحث عن الحياة والروح في كتلة عضوية يقدرها في طول أو عرض محددين ... فالكف فيها روح وشعور ما دامت في الجسم فإن اقتطعت منه زالت الروح منها .. والقاعدة تنطبق أيضا على الأصبع منها فلا عبرة بالكم أو الحجم ..

لهذه الصعوبات فضل بعض العلماء التعامل الكيفي مع الإعجاز ... فقالوا الإعجاز موجود يحس ويتذوق ولكن لا سبيل إلى تعقله أو التعبير عنه ... مثله مثل الوسامة والجمال .. فأنت تشعر بجمال وجه صبيح ككيفية لا تقبل التجزئة .. ولو حاولت التكميم لم تلمس الجمال!!

الشاهد هنا أن" الإعجاز" مفهوم صعب .. فكيف إذا أضفنا إليه "العددي"!!

أولا: لا يجوز ادعاء أن للأعداد معاني ذاتية .. فهذا من معتقد الإشراقيين من الفيثاغوريين والسحرة .. فالعدد مفهوم عقلي مجرد يعتمد كمقولة لتنظيم العالم ... أي العدد شكل لا جوهر.

ثانيا: العدد يدل على تناسبات وفق علاقات معينة مثل الطرد والعكس والموازاة والتقابل والتكافؤ ... وغير ذلك ... ووجود مثل هذه العلاقات بين أصوات القرآن وكلماته وآياته محتمل .. لكن القول بأن هذا إعجاز لا يستطيعه الجن والإنس يحتاج إلى أدلة أخرى ...

فوجود التناسب العددي لا يدل على الإعجاز ... لأن الإنسان يصنع أشياء فيها تناسبات رياضية صارمة دون أن يدعي في عمله الإعجاز ..

فمن يستمع مثلا إلى تحليل نقاد الفن لبعض اللوحات التصويرية الكلاسيكية مثل لوحات دافنشي و أنجللو وفيلاسكيز وغيرهم فسيكتشف في الضلال والألوان وتوطين الأشكال تناسقات هندسية بديعة ومقادير رياضية مدهشة .. وتجد هؤلاء النقاد في قراءتهم للوحة يتصورون خيوطا ومربعات وتقاطعات وهمية يسقطونها على اللوحة فتبدو منسجمة معها أشد ما يكون الانسجام .. ولا يتحدث الرسام ولا الناقد عن الإعجاز!!!

وهذه التناسبات موجودة أيضا في شعرهم ... ولا يخطر ببالهم الإعجاز أو ما يشبهه ..

فالشعر الذي يسمى السوناتا يبنى عندهم على تناسبات فثمة رباعيات وثلاثيات .. والرباعيات مكونة من عدد من المقاطع لا يتغير .. والثلاثيات مكونة من عدد أقل من الرباعات لكنه ثابت ... ثم تأتي القافية أيضا في تناسب دوري معين لا تتخلف أبدا ...

وفن الموسيقى-المحرم عندنا-فن يقوم كله على تقسيم الزمن إلى وحدات متناسبة في العدد .. فتجد العمل السمفوني الضخم يخضع لمعادلات حسابية رائعة ..

بل إن المرأة العادية تضفي على مطبخها تناسبا وتراعي المفاهيم العددية في تو زيع الأكواب والصحون ...

فهل هذا كله من الإعجاز ..

أقصى ما يمكن أن يثبته هؤلاء العدديون هو إثبات التناسب في القرآن ... لكن لماذا يسمون ذلك إعجازا عدديا!!

نطلب منهم أن يدققوا مصطلحهم ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير