تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولقد كنا في صغر السن في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم نرى بعض المعتكفين، ووالله! إلى الآن لا زلت أرى بعض العباد الصالحين الأخيار الذين كانوا يعتكفون في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، كنت أراهم في محافظتهم وأدبهم وخشوعهم وسمتهم ودلهم ولا تزال صورهم منقوشة في قلبي إلى الآن، وكلما أردت أن أعتكف التمست تلك النماذج العجيبة الكريمة، فالرجل منهم يخرج حريصاً على الصمت، حريصاً على ذكر الله عز وجل، لسانه يلهج بذكر الله، وأقسم بالله أن الرجل يخرج كأنك ترى الشمس في وجهه من نور العبادة، هذه هي النماذج الكريمة.

والرجل إذا جلس في المسجد وراعى حرمة المسجد يكون قدوة لأولاده، ويكون قدوة لأبناء المسلمين، فإذا رأى أبناء المسلمين كبارهم يحرصون على الأدب في بيوت الله؛ حفظوا حرمة المساجد، وحفظوا هيبتها، وحفظوا مكانتها، والعكس بالعكس.

وكذلك أيضاً ينبغي للإنسان أن يستشعر -إذا دخل المسجد- أنه أسعد الناس عند الله عز وجل حظاً وقدراً إذا خشع قلبه، وأناب إلى الله بالذكر والشكر، ولربما دخل إلى المسجد سابقاً لغيره، ففتح الله عليه باب رحمة لا يعذب بعدها أبداً، فربما تسبق إلى فريضة من فرائض الله في بيت من بيوت الله عز وجل فيغفر الله لك ذنوباً لم يخيل إليك أنها تغفر، وما يدريك ففضل الله عظيم؛ فرب عبدٍ تقطر دمعة من عينه فتغفر بها ذنوب عمره، وامرأة بغي -زانية- تسقي كلباً شربة ماء فتغفر ذنوب العمر، فالرب كريم، فهذه سوق الآخرة، سوق الذكر والشكر.

وأيضاً: مما يعين على ذلك استشعار حرمة المسجد، فإذا كان يستشعر حرمة المسجد في الدخول والخروج، ويقول: ماذا أخذت من هذا المسجد؟ فإذا جاء يخرج ووجد أن وقته كله ضاع في القيل والقال والترهات والكلمات الضائعات التي لا يجني منها خيراً، فضلاً عن الغيبة والنميمة -والعياذ بالله- إذا كان قد وقع فيها؛ فإنه يبكي على نفسه ويندب حظه عند ربه، فعلى الإنسان أن يستشعر هذه الأمور المهمة والأصول التي لا يمكن أن يصلح حاله إلا بمراعاتها، فإن المساجد أمرها عظيم، وحرمتها عظيمة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (من سمعتموه ينشد ضالته في المسجد فقولوا: لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تبن لهذا)، تعظيماً لحرمة المسجد، وعلينا دائماً أن نحرص على الأسباب التي تعين على كسب الوقت في المسجد: وأولها: أن الإنسان إذا دخل لهج لسانه بذكر الله عز وجل، ولذلك شرع له أن يسمي الله، وأن يصلي على نبي الله صلى الله عليه وسلم، وأن يدعو ربه عند دخول المسجد أن يفتح له أبواب رحمته، فما معنى هذا؟ معناه: أنه يتخوض في رحمات الله عز وجل، ولذلك قلّ أن تدخل مسجداً وأنت بحضور قلب وخشوع إلا خرجت برحمة أو رحمات -وجرب هذا- ففي المساجد حِلق الذكْر، ولذلك كم من مجلس ذكر قمت منه وقد غيرت حالك، وأصلحت ما بينك وبين الله فأصلح الله مآلك، وكم من مجلس ذكر جلسته في المسجد، وكم من خطبة حضرتها يوم الجمعة فغيرت حياتك، وكم من كلمات طيبات من إمام ناصح بعد فريضة من فرائض الله دخلت إلى القلوب فأصلحت ما بينها وبين الله وما بينها وبين عباد الله، فهنا تنزل الرحمات، وهنا تغفر الذنوب والسيئات، وهنا ترفع الدرجات، وهنا كان يسر الصالحون، هنا كان الشخص المؤمن تضيق به الدنيا فإذا دخل أبواب المسجد تولت عنه الهموم والغموم كلها، كان المسلمون يوم كانوا إذا دخلوا بيوت الله نسوا الدنيا وما فيها: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور:36]، وصف الله أهلها: {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ} [النور:37]، كان الرجل إذا دخل المسجد نسي همومه، حتى لربما كان مكروباً في أهله وماله وولده فينسى كربه كله إذا وطئت قدمه بيت الله عز وجل، من البركات والخيرات التي جعلها الله في هذه المنازل منازل الرحمات.

تقول وأنت تدخل باب المسجد: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وأنت داخل باب المسجد، ومعنى ذلك: أن هذا المسجد محل الرحمة، وليست رحمة واحدة، وذلك أنك عندما تقول: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، فأبواب الرحمة كثيرة: باب العلم، باب العمل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير