[ميقات دخول الفجر الصادق في تقويم أم القرى صحيح يجوز الاستئناس به]
ـ[رضا أحمد صمدي]ــــــــ[10 - 09 - 08, 11:22 ص]ـ
الحمد لله الذي حدّد لعباده مواقيت العبادة، وأمرهم بمراعاتها باليُسرى وزيادة، وأصلي وأسلم علىمن أَوْضَحَ لنا وفهّمنا مقاصد الشريعة المُرَادَة، وتَمَثَّل السهولة في أمور العبادة والعادة، وعلى أصحابه الذين نقلوا أصول الشريعة وفروعها بلا نقصان ولا زيادة، وعلى من تبعهم جميعا بإحسان من العلماء والعباد والصالحين والدعاة والعاملين والعبيد والسادة ...
وبعد .. فقد سألني من لا يسعني ردُّ مطلوبه أن أُبَيِّن له حقيقة ما حصل من الخلاف حول توقيت الفجر حسب التقاويم والروزنامات المشتهرة وخاصة تقويم أم القرى، ما القول الفصل فيه وماذا يجب على المكلفين تجاهه، وذلك بعد أن عمت البلوى والفتنة بكثرة الاشتباه والاختلاف والتقاول والتجاذب بين الناس من علماء وطلبة علم وعوام؟ ...
فاستعنتُ الله تعالى في ذكر ما يفيد المكلف في هذه المسألة من أصول العمل والتطبيق والاحتياط حتى تُبنى العبادات على الغاية من بذل الوسع في بلوغ الصحة.
وقد قسمتُ البحث إلى مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة
فأما المقدمة ففي تصور المسألة وذكر ما يُحتاج إليه في فهمها وضبطها بالضوابط الشرعية
والفصل الأول: في بيان وقت الفجر كما ورد في الأدلة الشرعية وكلام أهل العلم وتحقيق المقصودفيه
والفصل الثاني: في بيان توقيتات الفلكيين للفجر ومدى قربها وبعدها من تحديدات الشرع.
الفصل الثالث: في بيان التحقيق في وقت الفجر وما يجب فعله وما يسوغ وما لا يجوز.
الخاتمة في ذكر ما خلصنا إليه بعد المباحثة والدراسة مع ذكر بعض التوصيات
المقدمة
تصور المسألة وذكر ما يُحتاج إليه في فهمها وضبطها بالضوابط الشرعية
اعلم أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، ولا بد لنا للحكم في هذه النازلة التي عمت بها البلوى أن نتصورها على وجهها الذي هي عليه حتى ننزل حكم الشرع عليها.
ومواقيت الصلاة تتعلق بها الأحكام الشرعية مثل أفعال المكلفين، باعتبارها أحكاما وضعية وضعها الشارع ليناط بها أفعال المكلفين، لأن الحكم الشرعي هو خطاب الله المتعلق باحكم المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع. فما كان بالاقتضاءأمرا جازما (وهو الإيجاب) او غير جازم (وهو الندب) أو نهيا جازما (وهو التحريم) أو غير جازم (وهو الكراهة) أو بالتخيير بين الفعل والترك (وهوالإباحة) وما كان بالوضع فهو الذي جعله الشارع أَمَارَة على غيره، كمواقيت الصلاة، فهو وإن كان ليس من أفعال المكلفين لكنه علامة عليها، فله تعلق بأفعال المكلفين من وَجْهٍ، فناسب أن يكون مثل هذا من أحكام الشرع وإن لم تتعلق بالمكلفين بصورة مباشرة.
ثم اعلم أن مثل هذه الأحكام الوضعية لم تُعلق عليها الأحكام بذواتها، بل بعلم المكلفين بها، فمتى تحقق العلمُ بها تَوَجَّهَ التكليف بها، فمواقيتٌ الصلاة من - حيث هي- علاماتٌ وَضَعَها الشارع لدخول الوقت وإيجاب الصلاة، وهي ظواهر كونية أناط الشارع بها بعض أحكام العبادات، وهو مثل الهلال الذي جعله الله مناط دخول الشهر، ولكن هذه المناطات غير معتبرة إذا لم يعلم بها المكلف على الوجه المعتبر، فقد تزول الشمس ويدخل وقت الظهر ولكن المكلف لما يعلم بذلك، فلا يدخل الوقت في حقه إلا أن يُقَدِّرَ للوقت، وقد تغرب الشمس ولكن المكلف لا يلاحظ ذلك، فلا يدخل وقت المغرب في حقه إلا أن يعرف ذلك ويعلمه، وكذلك وقت الفجر، فقد يظهر الفجر المستطير في الأفق ولكن لا يلحظه المكلف لاعتبارات كثيرة، فلا يدخل الوقت في حقه إلا أن يتبين ..
ولأجل هذا المعنى علق الشرع دخول الوقت بالتبين، فقال تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ. وقد وَرَدَ في الصحيحين من حديث القاسم، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليهوسلم قال: "لا يمنعكم أذانُ بلال عن سَحُوركم، فإنه ينادي بليل، فكلواواشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر". لفظ البخاري.
قال الشيخ تقي الدين الهلالي في رسالته (بيان الفجر الصادق): "وقوله تعالى حتى يتبين لكم) مطابق للحديث فإنه لم يقل حتى يطلع الفجر، بل قال (حتى يتبين لكم) أيها الناس، أي: لجميع الناس بحيث لا يشك فيه أحد.فدل هذا على أن مناط إيجاب الصلاة العلم بدخول الوقت لا دخول الوقت في نفس الأمر".أهـ كلام الهلالي رحمه الله.
وقد ذكر الحافظ ابن رجب في شرح البخاري أن أبا موسى وابن عمر أعادا صلاة الفجر لما تبين لهما أنهما صليا قبل طلوع الفجر، ويقاس عليه أغلب فروع الشريعة التي علقت إيجاب العبادة بتحقق العلم بعلامتها الوضعية من المكلف، فلا يجب الصوم إلا بعد رؤية الهلال (إذا رأيتموه فصوموا ... ) ولا يجوز الفطر إلا بعد التحقق من الغروب وهلم جرا.وتحرير هذا الأمر (أعني ما يناط عليه إيجاب الصلاة) من الأهمية بمكان لابْتِنَاءِ التكليف على مثله،فبعض الباحثين قد ابتنى أبحاثه ودراسته في هذه الأمر على دخول الوقت في نفس الأمر فصوّب نفسه وخطّأ الآخرين على هذا الأساس وهو مخالف لأصول الشرع ومقاصده.
وبهذا يعلم أن بحثنا هو فيما يجب على المكلف لمعرفة وقت الفجر لا وقت الفجر في نفس الأمر وإنكان البحث سيطاله بالتبع.
¥