تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وثالثها: في صحيح مسلم أن عمر رضي الله عنه نذر في الجاهلية أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال له صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك.

قال أبو عبد الرحمن: لا وفاء بالنذر إلا في طاعة مشروعة , ولو كان الاعتكاف لا يجوز إلا في أكثر من يوم وليلة لرده رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجائز.

المسألة الثالثة: أفعال الخير تتفاضل , والاعتكاف كله فضيلة , ولكن أفضله وآكده ما داوم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الاعتكاف في العشر الأواخر , وإنما اعتكف مرة في شوال قضاء.

المسألة الرابعة: من دخل في الاعتكاف وهو ينوي مدة معينة فلا يحل له أن يقطع الاعتكاف لغير عذر موجب , فإن فعل لعذر فالسنة المؤكدة أن يقضي.

وقد رأى بعضهم وجوب القضاء , ولا يطرد هذا المذهب مع أصول الظاهر في أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ورسول الله صلى الله عليه وسلم فعل القضاء ولم يأمر به.

وأحكام الشريعة تفرق بين أحكام الدخول في العبادة وأحكام إتمامها.

ولا يقطع ما نوى من العبادة بغير عذر إلا مالٌّ أو عابث , ولا خير في ذينك.

المسألة الخامسة: أختلف الصحابة والتابعون رضوان الله عليهم في اشتراط الصوم للاعتكاف فجمهورهم لم يشترطوه منهم علي وابن مسعود وسعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز وعطاء وإبراهيم النخعي والحسن والشافعي وإسحاق وأبو سليمان داود وفقهاء أهل الظاهر رضي الله عنهم.

وذهب آخرون إلى اشتراط الصوم منهم ابن عمر , وعائشة والزهري ومالك وأبو حنيفة والليث والثوري والحسن بن حي وعروة بن الزبير رضي الله عنهم. وآخرون روي عنهم القولان وصحا عنهم , وهم ابن عباس , وطاووس , وأحمد بن حنبل رضي الله عن جميعهم.

قال أبو عبد الرحمن: واختلافهم اجتهادي وليس عن حضور نص أو غيابه بدليل ما أسنده سعيد بن منصور إلى أبي سهيل بن مالك.

قال أبو سهيل لعمر بن عبد العزيز: كان على امرأة من أهلي اعتكاف.

فقال عمر: ليس عليها صيام إلا أن تجعله على نفسها.

فقال الزهري لعمر: لا اعتكاف إلا بصوم.

فقال له عمر: عن النبي صلى الله عليه وسلم؟.

قال: لا.

قال: فعن أبي بكر؟

قال: لا.

وهكذا ذكر عمر وعثمان رضي الله عنهم.

واحتج من اشترط الصيام بما رواه أبو داود الطيالسي بإسناده عن عبد الله بن بديل عن عمرو بن دينار: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر: اعتكف وصم.

قال أبو عبد الرحمن: ضعفه ابن حزم والحافظ ابن حجر , وقال أبو بكر النيسابوري: هذا حديث منكر.

ووجه ضعفه أن مداره على ابن بديل , وله ما ينكر عليه من زيادة في المتن والإسناد , ومسند عمرو بن دينار لدى الثقات ليس فيه هذا النص , وهو مخالف لما في صحيح البخاري من أنه أمره بالاعتكاف فحسب.

والعدل قد يكون غير ثقة في ضبطه وحفظه , فليس حديث ابن بديل من زيادة الثقة.

واحتجوا بأن الله ذكر الاعتكاف بعد الصوم , وليس هذا الاستدلال بشيء , لأن عطف شريعة على شريعة لا يعني تلازمهما , ولو قيل بالتلازم لوجب أن الصوم لا يصح إلا بالاعتكاف ولا قائل بذلك.

واحتجوا بأن الاعتكاف لبث في المسجد فالصوم فيه يقاس على الإحرام في عرفة.

قال أبو عبد الرحمن: أحذر طلبة العلم في هذه الصحوة الإسلامية المباركة من الاعتقاد لمثل هذه المقاييس.

ولو كان القياس حقا لقيس لبث في المسجد على لبث في عرفة من ناحية عدم اشتراط الصوم.

قال أبو عبد الرحمن: من لا يشق الصيام عليه فصيامه أفضل , لأنه زيادة خير لقادر عليه , وقد أمرنا بالمسارعة إلى الخير.

ومن شق عليه الصوم فالاعتكاف بلا صوم أفضل , لأنه كلف من الأمر ما يطيق.

والبرهان على أن الصوم ليس شرطا أمور:

أولها: أنه ورد الأمر بالاعتكاف في المسجد لذاته , فكان عبادة مفردة.

فاشتراط الصوم لصحة الاعتكاف دعوى تحتاج إلى دليل , ولا دليل.

وثانيها: لم يرد نص أن المعتكف ينوي الاعتكاف بنية الصوم.

ولو كان الصوم شرطا ما صح الاعتكاف إلا بنيته.

أعني نية العمل المقصود.

وثالثها: أن الاعتكاف جائز ليلة واحدة , ولا صيام في الليل.

ومن قال الاعتكاف بالليل تبع للنهار عكس ذلك عليه وقيل: وما يدريك؟ فقد يكون النهار تبعا لليل , وقد يكون لا تبعية بحكم الشرع.

ورابعها: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر الأول من شوال وفيهن يوم العيد ولا صوم فيه.

المسألة السادسة: محمد بن عمر لبابة من فقهاء المالكية المغاربة رحمه الله , وقد تفرد بالقول بأن الاعتكاف جائز في كل مكان وإن لم يكن مسجداً.

قال أبو عبدالرحمن: لا ننكر أن العزلة فيما فضل من أحوال الاختلاط الواجبة من أفضل القرب والعبادات.

ولكننا لا نجعل هذه القربة هي المعنى الشرعي للاعتكاف الذي يترتب عليه أحكام كعدم وطء النساء.

فلا نعهد في مدلول النص الشرعي، ولا نعهد في السيرة العملية إلا الاعتكاف في المسجد، وما عدا ذلك فعكوف لغوي لا شرعي.

قال أبو عبدالرحمن: واقتراف المعصية عمداً بلا سهو أو جهل عكوف على المعصية، والمأمور به عكوف للطاعة واحتباس عن المعصية، والله المستعان.

وكتب لكم:

أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري

ـ عفا الله عنه ـ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير