تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومنها: أنه أخبر أن الأرض كلها مسجد، إلا المقبرة والحمام. ولو كان ذلك لأجل النجاسة لكان ذكر الحشوش والمجازر ونحوها أولى من ذكر القبور.

ومنها: أن فتنة الشرك بالصلاة فى القبور ومشابهة عباد الأوثان أعظم بكثير من مفسدة الصلاة بعد العصر والفجر.

فإذا نهى عن ذلك سدا لذريعة التشبه التى لا تكاد تخطر ببال المصلى، فكيف بهذه الذريعة القريبة التى كثيرا ما تدعو صاحبها إلى الشرك ودعاء الموتى، واستغاثتهم، وطلب الحوائج منهم، واعتقاد أن الصلاة عند قبورهم أفضل منها فى المساجد.

وغير ذلك، مما هو محادة ظاهرة لله ورسوله.

فأين التعليل بنجاسة البقعة من هذه المفسدة؟

ومما يدل على أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قصد منع هذه الأمة من الفتنة بالقبور كما افتتن بها قوم نوح ومن بعدهم.

ومنها: أنه لعن المتخذين عليها المساجد. ولو كان ذلك لأجل النجاسة لأمكن أن يتخذ عليها المسجد مع تطيينها بطين طاهر، فتزول اللعنة، وهو باطل قطعاً.

ومنها: أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: "اللهُمَّ لا تجْعَلْ قَبْرِى وَثَناً يُعْبَدُ. اشْتَدَّ غَضبُ اللهِ عَلَى قَوْمٍ اتّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ".

فذكره ذلك عقيب قوله: "اللهم لا تجعل قبرى وثنا يعبد" تنبيه منه على سبب لحوق اللعن لهم. وهو توصلهم بذلك إلى أن تصير أوثانا تعبد.

وبالجملة فمن له معرفة بالشرك وأسبابه وذرائعه، وفهم عن الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم مقاصده، جزم جزماً لا يحتمل النقيض أن هذه المبالغة منه باللعن والنهى بصيغتيه: صيغة "لا تفعلوا" وصيغة "إنى أنهاكم" ليس لأجل النجاسة، بل هو لأجل نجاسة الشرك اللاحقة بمن عصاه، وارتكب ما عنه نهاه، واتبع هواه، ولم يخش ربه ومولاه، وقل نصيبه أو عدم فى تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله.

فإن هذا وأمثاله من النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم صيانة لحمى التوحيد أن يلحقه الشرك ويغشاه، وتجريد له وغضب لربه أن يعدل به سواه. فأبى المشركون إلا معصية لأمره وارتكاباً لنهيه وغرهم الشيطان. فقال: بل هذا تعظيم لقبور المشايخ والصالحين.

وكلما كنتم أشد لها تعظيما، وأشد فيهم غلوا، كنتم بقربهم أسعد، ومن أعدائهم أبعد. ولعمر الله، من هذا الباب بعينه دخل على عبَّاد يغوث ويعوق ونسر، ومنه دخل على عباد الأصنام منذ كانوا إلى يوم القيامة.

فجمع المشركون بين الغلو فيهم، والطعن فى طريقتهم وهدى الله أهل التوحيد لسلوك طريقتهم، وإنزالهم التى أنزلهم الله إياها: من العبودية وسلب خصائص الإلهية عنهم.

وهذا غاية تعظيمهم وطاعتهم.

(موارد الأمان المنتقى من إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان لابن القيّم بقلم الشيخ المحدّث علي حسن عبد الحميد حفظه الله تعالى ص243 - 252 دار ابن الجوزي الطبعة الثامنة سنة 1424 بتصرّف)

وقال شيخ الإسلام ومفتي الأنام وبقية السلف الكرام أبو العبّاس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية رحمه الله تعالى وجعل الفردوس مثواه بعد إيراده للأحاديث المتقدّمة:

((فهذا التحذير منه واللعن عن مشابهة أهل الكتاب في بناء المساجد على قبر الرجل الصالح: صريح في النهي عن المشابهة في هذا.

ودليل على الحذر من جنس أعمالهم، حيث لا يؤمن في سائر أعمالهم أن تكون من هذا الجنس.

ثمّ من المعلوم ما ابتلي به كثير من هذه الأمّة من بناء المساجد على القبور واتخاذ القبور مساجد بلا بناء، وكلا الأمرين محرّم ملعون فاعله بالمستفيض من السنّة .. ))

(إقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم لابن تيمية ص 128 مكتبة الصفا الطبعة الأولى سنة 1426هـ تحقيق العلامة العثيمين)

وقال أيضا: ((والصلاة في المساجد المبنية على القبور منهي عنها مطلقا)) (الجواب الباهر في زوّار المقابر ص31 دار الآثار طبعة أولى 1424)

وقال الإمام أبو عمر يوسف ابن عبد البر المالكي رحمه الله: ((وجائز تسطيح القبور وتسنيمها ولا تجصص ولا يبنى عليها)) (الكافي في فقه أهل المدينة، باب جامع في الجنائز) فحرّم الإمام رحمه الله البناء على القبور مطلقا ولم يستثني من ذلك المساجد والله أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير