ولا يخرج عن هذا الأصل إلا ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا ولم يرفع يديه فيها؛ كالدعاء بين السجدتين، وفي آخر التشهد، ودعاء الاستفتاح وفي خطبة الجمعة للإمام في غير الاستسقاء، فإن السنة فيها الإشارة بالإصبع فالأدلة فيها خاصة.
قال النووي في "المجموع": "فرعٌ: في استحباب رفع اليدين في الدعاء خارج الصلاة، وبيان جملة من الأحاديث الواردة فيه": "اعلم أنه مستحب؛ لما سنذكره إن شاء الله تعالى عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى ورفع يديه وما في السماء قزعة؛ فثار سحاب أمثال الجبال، ثم لم ينزل من منبره حتى رأيت المطر يتحادر من لحيته" (رواه البخاري ومسلم)، ورويا بمعناه عن أنس من طرق كثيرة، وفي رواية للبخاري: "فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو، ورفع الناس أيديهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعون، فما خرجنا من المسجد حتى مطرنا، فما زلنا نمطر حتى كانت الجمعة الأخرى"، وذكر تمام الحديث.
وثبت رفع اليدين في الاستسقاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية جماعة من الصحابة غير أنس، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
وعن أنس رضي الله عنه في قصة القراء الذين قتلوا قال: "لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما صلى الغداة رفع يديه يدعو عليهم، يعني: على الذين قتلوهم" (رواه البيهقي بإسناد صحيح حسن).
وقد سبق عن عائشة رضي الله عنها في حديثها الطويل في خروج النبي صلى الله عليه وسلم في الليل إلى البقيع للدعاء لأهل البقيع والاستغفار لهم، قالت: أتى البقيع؛ فقام فأطال القيام، ثم رفع يديه ثلاث مرات ثم انحرف، وقال: "إن جبريل عليه السلام أتاني فقال: إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع وتستغفر لهم" (رواه مسلم).
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً! فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه يقول: "اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني"، فمازال يهتف بربه مادّاً يديه حتى سقط رداؤه عن منكبيه" (رواه مسلم)، قوله: "يهتف" بفتح أوله وكسر التاء المثناة فوق، -يقال: هتف يهتف- إذا رفع صوته بالدعاء وغيره.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: "أنه كان يرمي الجمرة سبع حصيات يكبر على أثر كل حصاة، ثم يتقدم حتى يستقبل؛ فيقوم مستقبل القبلة؛ فيقوم طويلاً ويدعو ويرفع يديه، ثم يرمي الوسطى، ثم يأخذ ذات الشمال؛ فيستقبل ويقوم طويلاً، ويدعو ويرفع يديه، ثم يرمي الجمرة ذات العقبة ولا يقف عندها ثم ينصرف؛ فيقول: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله" (رواه البخاري).
وعن أنس رضي الله عنه قال: "صبح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر بُكرة، وقد خرجوا بالمساحي، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: "الله أكبر، خربت خيبر" (رواه البخاري في آخر علامات النبوة من صحيحه).
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: "لما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من خيبر بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس، وذكر الحديث، وأن أبا عامر رضي الله عنه استشهد، فقال لأبي موسى: يا ابن أخي أقرئ النبي صلى الله عليه وسلم السلام، وقل له: استغفر لي، ومات أبو عامر قال أبو موسى: فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فدعا بماء فتوضأ، ثم رفع يديه فقال: "اللهم اغفر لعبدك أبي عامر"، ورأيت بياض إبطيه، ثم قال: "اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك ومن الناس"، فقلت: وليَ فاستغفر، فقال: "اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما" (رواه البخاري ومسلم).
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يدعو رافعاً يديه يقول: "إنما أنا بشر فلا تعاقبني، أيما رجل من المؤمنين آذيته أو شتمته فلا تعاقبني فيه".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلة وتهيأ ورفع يديه، وقال: "اللهم اهد أوساً وأت بهم".
¥