ويؤكد أن ما حكوه من الإجماع قاصرٌ على ما ذكر فيه لا على ما وراءه هو ما سبق ذكره: أن التوسعة تعددت بعد ذلك، وعُلِّل ذلك بأنه لم يستوف عرض الصفا والمروة، فالذرع الذي حكي الإجماع عليه كان للمحل الذي كانوا يسعون فيه لا للجبل، كما أن الذرع لم يكن في كل عرض المسعى إذ هو لا ينضبط، إنما ضبطوه ببعض ما يمكن ضبطه من الأعلام البارزة والمعروفة.
ومحصَّل ما سبق:
أن الإجماع القديم لا يصح استصحابه على التوسعة الحادثة إلا بشرط تقرير إجماعٍ آخر باعتبار أحد مفاهيمه، وقد بان خرق هذا المفهوم الذي وقع الظن على أنه إجماع أيضاً؛ بكلام الأولين قبل كلام المعاصرين.
ونختصر الكلام أيضاً بالقول: إن المسعى الحالي لو كان حادثاً؛ فإن الإجماع على منعه هو حادثٌ أيضاً، وإنما حصِّل تحصيلاً من الإجماع القديم، وقد بينا فيما سبق أنها طريقة في التحصيل غير لازمة.
الوجه الرابع في مستند إجماع مَنْ منع التوسعة الحاضرة:
هو وصف الصفا والمروة بأنهما جبلان صغيران، وأن الصفا كان بأصل جبل أبي قبيس، والمروة أنف قعيقعان.
وهذا لا يفيد المطلوب؛ لأن التوسعة الحادثة لا تخرج هذين الجبلين عن وصفهما بالصغر، لاسيما إذا أخذنا بالاعتبار النظر النسبي للصغر، لاسيما جبال مكة، ولاسيما إذا نظرنا إلى ضخامة جبل أبي قبيس الذي يجاوره ويقاس عليه، والذي لا يزال قائما إلى اليوم.
ثم إننا ندعي عليهم التحكّم: فلماذا كان الذرع القديم لا ينافي صغر الجبل، بينما التوسعة الحادثة تقتضي ما ينافي الصغر، ثم ما هو المقدار من الذرع الذي لا يخرج الجبلين عن وصف الصغر، ثم إن هناك من الدلائل ما يفيد أن الجبل ليس هو بذلك الصغر المتوهم فيه، بل هو علمٌ ظاهر، جعله الله من شعائره، واجتمع عنده النبي صلى الله عليه وسلم حين جهر بدعوته، كما أنه موضعٌ واعد فيه أصحابه بكتائبهم حين فتح مكة، وهذا الفيروز آباد اشترى داراً فيحاء في الصفا، وختم فيها كتابه "القاموس المحيط"، وما ذكره المؤرخون من البيوتات عليه، فهذه الأوصاف تسمح بمضاعفة مساحة المسعى وأكثر، وهي لا تمنع أيضا، وصفه بالصغر، لاسيما مع الاعتبارات السابقة.
السبب الثاني في عدم صحة ادعاء الإجماع على عدم جواز التوسعة الحادثة للمسعى:
أنه قد تم الزيادة والنقصان في هذه المساحة التي حكي عليها الإجماع: إما بالتوسعة، وإما بالتعدي عليها، فهل يصلح أن نناقض الإجماعات السابقة بالإجماعات اللاحقة؛ لأن كل زمن قد أجمع أهله على اعتبار المساحة الموجودة في زمنهم، وقد تحدث التوسعة بعدهم، وكمثال على هذا فقد ذهبت توسعة المهدي بأكثر دار ابن عباد؛ فهل يصلح أن ننقض على المهدي توسعته بأنها خالفت الإجماع قبله؟!!
وقد ذهبت توسعة الملك سعود بدار الشيبي ومحل الأغوات؛ فصل يصلح أن ننقض على الملك سعود توسعته بأنها خالفت الإجماع قبله؟!!
ثم لماذا جازت التوسعة في زمنهم، ولم تجز في زمننا؟
فإن قيل: لأنه لم يستوف في الأزمنة السابقة عرضي الصفا والمروة، أما الآن فقد استوفي.
فالجواب: أن هذا تراجع في دعوى الإجماع، وآلت المسألة إلى تحديد عرضي الصفا والمروة، وهو المطلوب، وفيما يلي مزيد بحث وبيان.
السبب الثالث في عدم صحة ادعاء الإجماع على عدم جواز التوسعة الحادثة للمسعى:
أن على من احتج بالإجماع على عدم جواز التوسعة الحادثة استناداً إلى وقوع الإجماع على الذرع القديم: أن يثبت أن ذلك الذرع كان مستوفياً لعرض البينية بين الجبلين: الصفا والمروة، والذي يظهر أنهم يسلِّمون بأن ذلك الذرع لم يكن مستوفياً لتلك البينية بدليل تسليمهم بصحة التوسعة التي تكررت للمسعى من هدم بعض المنازل والأسواق ()، وبدليل تسليمهم بصحة التوسعة السعودية في عهد الملك سعود التي هي أوسع من التحديد المعروف للمسعى، حتى هدمت فيها دار الشيبي، ورخِّص في إدخالها في المسعى ()؛ وقل مثل ذلك في محل الأغوات.
وتعلَّل المانعون بأن صحة تلك التوسعة إنما كانت بناء على أنه استوفي بها مقدار البينية بين الصفا والمروة.
ونقول:
¥