تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لو كان المسعى من غير جدران هل يمكن للساعين أن ينحصروا في المسعى القديم إذا أخذنا بالاعتبار أيام الموسم الشداد؟

الجواب: لا، قطعاً.

وعليه: فإن التوسعة الواقعة اليوم هي حكماً في حال حصول هذه الصورة، كما سبق بيانه، فهي حال ضرورة لا حال اختيار، وإنما منع من تصورها انحصار الناس بين الجدران، فإن استدارة الناس بين الصفا والمروة وميلهم إلى أيمانهم حين صدورهم من الصفا، وميلهم إلى أيمانهم حين صدورهم من المروة، بما يعني اتساع دائرة طوافهم بين الصفا والمروة إنما هو يحكي حال الشدة المفترضة لو كان المسعى من غير جدران؛ وعليه فإن التوسعة الحالية هي نفس التوسعة السابقة حكماً، وإنما ألجأهم إلى توسيع دائرتها ضرورة ازدحام الناس.

3 - إذا صحت توسعة المطاف مع حق المصلي والمعتكف في ذلك الموضع الذي تمت فيه التوسعة على حسابهما ولحساب الطائف، ففي المسعى من باب أولى؛ لأنه لا منازِع هناك.

ولا ننازَع: بأن التوسعة في المطاف يتحقق فيها الطواف حول الكعبة بخلاف المسعى.

لأنا ننازِع في صحة هذا الحد لعرض الصفا والمروة، لكن – تنزلا - سنفرض المسألة هنا بناء على هذا الحد، فنقول وبالله التوفيق:

إذا ضاق بالناس هذا الحد للصفا والمروة فإنه يتسع معنىً بما يكفي الناس ويحصِّل مقصودهم ومقصود الشارع من السعي بين الصفا والمروة، وإذا كان الله أمر بتطهير بيته للطائفين، فإن هذا المعنى ملحق بالسعي بين الصفا والمروة وهذا لا ينازع فيه أحد، بل إن السعي بين الصفا والمروة هو من جملة الطواف كما هو نص الآية {فلا جناح عليه أن يطوف بهما} والذي أوجب تطهير هذه المواضع يقتضي أن يكون هذا الموضع بحيث يسعهم، فيكون توسعة المسعى بين الصفا والمروة من جملة ما أمر الشارع بتوسعته على الطائفين.

وقد قرر هذا المعنى العلامة المعلمي، ثم قال مبينا ومحترزاً:

"ولا تقتضي الحكمة أن يوسع الموضع من أول مرة إلى الغاية التي يعلم أنه لن يضيق بالناس مهما كثروا إلى يوم القيامة، وإنما تقتضي أن يكون أولا بحيث يكفي الناس في ذاك العصر.

ومع ذلك فلا ريب أن الناس إذا كثروا بعد ذلك ولم يسعهم الموضع وجب توسعته بدلالة الآية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ثم أمته من بعده مخاطبون بما خوطب به إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام من تطهير ما حول البيت للطائفين والعاكفين والمصلين، أى بالقدر الذي يكفيهم."

ثم قال:

"وبهذا جرى عمل الأمة، فقد وسع المسجد في عهد عمر، ثم في عهد عثمان، ثم في عهد ابن الزبير رضي الله عنهم، ثم بعد ذلك أكرم الله إمام المسلمين صاحب الجلالة الملك سعود بن عبد العزيز أيده الله لهذه التوسعة العظيمة، ولعلها مهما عظمت لا تكون آخر توسعة."

قلت:

ولقد صدق حدس المعلمي رحمه الله، وما ذاك إلا لقوة نظره، وإلا لغور فقه، وإلا لمرونة مأخذه، ففي حين كان الناس ينقلون، وآخرون يذرعون، وآخرون أتى بهم هذا الزمان في تخوم الأرض ينقِّبون: كان هو في شأن آخر، فلقد كان يسيل غرباً، ولقد كان يفري فرياً، عبقرياً كعمر؛ ومَنْ أمعن النظر في النصوص، والتفت إلى مقصود الشارع، واستفاد من تطبيقات الأئمة، حصل له من الخير بمقدار ما هو فيه.

قلت:

ومما يؤكد صحة هذه الطريقة وأنه لا يدفعها كون الصفا والمروة محدوداً من قبل الشارِع، أو أنه مستلزم لتغيير معلم وضعه الشارع:

هو ما حصل وتكرر من تأخير المقام عن موضعه، مع تعلق سنية ركعتي الطواف خلفه كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم، كل ذلك رجاء التوسعة على الناس في المطاف، فقد وقع إجماع الناس على صحة هذا العمل ابتداء من عهد عمر إلى اليوم، وإن هذا لدليل واضح على ضرورة التوسعة على الطائفين، ولو أدى ذلك إلى توسعة المحل الذي فرضه الشارع؛ لأن هذا مما أمر به الشارع، فهو خروج من الموضع الذي حدده الشارع إلى المعنى الذي التفت إليه الشارع وسمح به.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير