تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وإن لم تكن عنادا - كما هو الظنون بذوي الحجى -، فقد نفوا ما ثبت بالدليل القاطع باجتهاد، قصاراه إفادة الظن الذي لا يعارض القطع الظاهر (الوافي بالوفيات، للصفدي 13\ 475).

والاجتهاد الواقع على خلاف الدليل القاطع كاجتهاد من ليس من أهل الاجتهاد في إنزالهما بمنزلة ما لا يعتد به، وينقض الحكم به (فتاوى ابن الصلاح ص 69).

- أن من أنصف لنفسه علم أن النصوص التي أخذت منها الأحكام لا تفي بعشر معشار الحوادث التي لا نهاية لها، فما الذي يقوله الظاهري في غير المنصوص إذا أتاه عامي وسأله عن حادثة لا نص فيها، أيحكم فيها بشيء أم يدع العامي وجهله؟

لا قائل من المسلمين بالثاني؛ أعني أنا ندع العامي يخبط في دينه، وإن حكم فيها - والواقع أن لا نص -؛ فإما أن يقيس، أو يخترع من نفسه حكما يلزم الناس الأخذ به.

إن اخترع من عند نفسه ونسبه إلى الحكم الشرعي كان كاذبا على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وإلا كان ملزما للناس بفلتات لسانه، فما بقي إلا أنه لا يخترعه من عند نفسه ويقيسه على الصور المنصوص عليها.

والظاهري لا يقول بذلك، فعاد الأمر إلى أنه إما أن يدع العامي يخبط في دينه بما لم ينزل الله به سلطانا، أو يكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، أو يلزم الناس بهفواته، والثلاثة لا يقولها ذو لب - معاذ الله – (الوافي بالوفيات، للصفدي 13\ 475).

- أن داود ينفي حجج العقول. . . فمن كان هذا مقدار عقله ومبلغ علمه كيف يجوز أن يعد من أهل العلم وممن يعتد بخلافه. . . (الفصول في الأصول، للجصاص 3\ 296).

- أنهم قد أخذوا هذا القول - نفي القياس - عن النظام من المعتزلة، وقد كفره جمع من أهل العلم (فقه أهل العراق وحديثهم، للكوثري ص 17).

مما سبق من تعليلات القائلين بعدم الاحتجاج بخلاف الظاهرية يتبين أنهم يدورون حول معنى واحد وإن اختلفت العبارات، وهو:

أن الظاهرية عندما أنكروا القياس خرجوا عن دائرة العلم، وأهله [وصاروا في دائرة العوام، أو الجهال، أو المبتدعة، أو المباهتين (البرهان للجويني 2\ 818.، أو الكفار والمشركين - بحسب اختلاف العبارات -] وهؤلاء لا يصح الاحتجاج بهم في الإجماع، ولا يقدح خلافهم فيه.

والسبب في ذلك - مما تقدم - ثلاثة أمور:

أ - أن النصوص الشرعية لا تفي بجميع الأحكام الشرعية، ولا بد من القياس لإظهار الأحكام الشرعية.

ب - أن الظاهرية وافقهم في قولهم هذا كثير من أهل البدع.

ج - أن القياس قد دل عليه (الدليل القاطع) فإنكارهم له إنكار لأمر معلوم من الدين بالضرورة، فخالفوا صريح العقول، وصحيح المنقول.

أما الأمر الأول؛ وهو أن النصوص الشرعية لا تفي بجميع الأحكام الشرعية، ولا بد من القياس لإظهار الأحكام الشرعية.

فلا يسلم ذلك - عندهم - فإن في القرآن والسنة بيانا لجميع الأحكام الشرعية إما بطريق المنطوق أو المفهوم أو غيرها من دلائل الألفاظ ووسائل الاستنباط غير القياس، ويدل على ذلك عموم قول الله تعالى: سورة النحل الآية 89 (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ)، وقوله تعالى: سورة الأنعام الآية 38 (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ).

وقال ابن حزم (النبذ في أصل الفقه، لابن حزم ص 118): " كل أبواب الفقه ليس منها باب إلا وله أصل في الكتاب والسنة نعلمه والحمد لله، حاشا القراض فما وجدنا له أصلا البتة ".

قال أبو إسحاق الشاطبي (ت 790 هـ) (الموافقات للشاطبي 4\ 189): " العالم بالقرآن على التحقيق عالم بجملة الشريعة، ولا يعوزه منها شيء، والدليل على ذلك أمور.

ومنها: التجربة؛ وهو أنه لا أحد من العلماء لجأ إلى القرآن في مسألة إلا وجد لها أصلا، وأقرب الطوائف من إعواز المسائل النازلة أهل الظاهر الذين ينكرون القياس، ولم يثبت عنهم أنهم عجزوا عن الدليل في مسألة من المسائل " ا. هـ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير