الدليل الثاني: لأن السنة لم تأت بجمع الجمعة مع العصر، وإنما وردت بجمع الظهر مع العصر.
المناقشة: يناقش بأن الجمعة كالظهر في باب الأعذار؛ وهو محل البحث، فتتفقان في الأعذار المبيحة للتخلف عن الجمعة والجماعة، وفي كونهما تصليان في الرحال في المطر الشديد، بل وتزيد الجمعة في حق المسافر: أنها لا تجب عليه.
الدليل الثالث: لأن النبي e - كما في حديث أنس t- لما استسقى يوم الجمعة ومُطروا، لم يُنقل أنه جمع بهم العصر مع الجمعة للمطر، ولا حتى في الجمعة الثانية للوحل.
المناقشة: نوقش بأنه لا يلزم من عدم النقل عدم الجمع، لاحتمال أن الراوي لم يذكر الجمع للعلم به، وإنما روى ما يُحتاج إليه من خبر الأعرابي، ولذا لم يذكر ما فعل النبي e بعد نزوله من المنبر، ولم يذكر أن النبي e جمع بهم في أيام ذلك الأسبوع إلى الجمعة المقبلة.
الدليل الرابع: لأن الأصل أن تصلى العصر في وقتها، ولا يخالف هذا الأصل إلا بدليل.
المناقشة: يناقش بأن الجمع قد ثبت في الظهر؛ والجمعة كالظهر في باب الأعذار.
الدليل الخامس: أن الجمع الوارد عن النبي e في المدينة كان سبعاً وثمانياً. وجمع الجمعة مع العصر يكون ستاً.
المناقشة: نوقش بأن الجمع منقول في غير يوم الجمعة، ولذا كان سبعاً وثمانياً.
الترجيح: كلا القولين قوي، وأقربهما إلى الصواب القول الأول لرجحان أدلته، خاصة مع استصحاب أمور:
1/ أن الراجح أن وقت صلاة الجمعة هو وقت صلاة الظهر؛ ابتداءً وانتهاءً.
2/ أن الجمع إذا كان جمع تقديم، فإن وقت الجمعة لم يتأثر، وإنما تأثر وقت العصر.
3/ أن الصلاة جمعاً في المساجد أولى من الصلاة في البيوت مفرقة باتفاق الأئمة الذين يجوزون الجمع: كمالك والشافعي وأحمد. كما قال ذلك شيخ الإسلام؛ بل عدّ الصلاة في البيوت وترك الجمع بدعة، حيث قال: "ترك الجمع مع الصلاة في البيوت بدعة مخالفة للسنة، إذ السنة أن تصلى الصلوات الخمس في المساجد جماعة، وذلك أولى من الصلاة في البيوت باتفاق المسلمين. والصلاة جمعاً في المساجد أولى من الصلاة في البيوت مفرقة باتفاق الأئمة الذين يجوزون الجمع: كمالك والشافعي وأحمد".
4/ أن أكثر ما يمكن أن ترد عليه صورة جمع الجمعة والعصر هو في حال الحضر؛ سواء كان لعذر المطر أو الوحل أو الرياح ... إلخ. لأن المسافر لا تلزمه الجمعة، ولا يكاد يدركها في سفره، ولعل ذلك هو السبب في أن الفقهاء يوردون بحث هذه المسألة تحت (باب صلاة الجمعة) ولا يوردونها عند الكلام حول صلاة المسافر أو في مسائل الجمع بين الصلاتين.
5/ أن المالكية والحنابلة يمنعون من جمع الظهرين أصلاً في المطر، وطرد مذهبهم أن يمنعوا من الجمع بين الجمعة والعصر. ولذا؛ ينبغي لمن يجوّز الجمع بين الظهرين في المطر أن لا يتأثر كثيراً بموقف المذهبين في ذلك.
6/ أن قياس صلاة على صلاة في رخصة واحدة أولى من قياس رخصة على رخصة في صلاة واحدة.
7/ أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم واقعة جمع في المطر أبداً في الصلوات الخمس، فاستدلال بعض العلماء بعدم ورود الجمع بين الجمعة والعصر غير مؤثر كثيراً.
وبهذا يتم بحث هذه المسألة؛ وهو جهد فردي واجتهاد شخصي ومحاولة لإثراء البحث حول هذه القضية المهمة التي يكثر السؤال عنها في العصر الحديث ..
نسأل الله أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، وأن يجعل علمنا وعملنا خالصاً لوجهه الكريم .. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عبدالله بن عبدالعزيز التميمي
[email protected]
ـ[أبو أشبال]ــــــــ[17 - 02 - 09, 05:45 م]ـ
بارك الله فيكم
وبالنسبة للمسافر إذا صلى الجمعة مع الإمام في المسجد فهل يجوزر له أن يصلي العصر بقصد جمع التقديم مع الجمعة
ـ[حسن البركاتي]ــــــــ[27 - 02 - 09, 09:58 م]ـ
السلام عليكم
سألت الشيخ أحمد الحازمي حفظه الله اليوم بعد صلاة الجمعة عن حكم جمع العصر مع الجمعة فقال لي حفظه الله أن ذلك لايجوز، وناقشته بقولي أنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم الجمع أو ترك الجمع فقال لي حفظه الله: نرجع إلى الأصل وهو المنع. وذكر لي أن المسألة مبنية على كون الجمعة هي ظهراً أم لا.
ورجح كما ذكرت سابقاً منع جمع العصر مع الجمعة.
ـ[أبو خالد المطرودي]ــــــــ[21 - 03 - 09, 06:52 م]ـ
بحث جميل، ومتوزان شكر الله لك
ـ[أبو غالية]ــــــــ[31 - 03 - 10, 12:37 ص]ـ
يرفع للفائدة
ـ[مجرد إنسان]ــــــــ[04 - 04 - 10, 11:02 م]ـ
أود أن أجيب بارك الله فيك عن ثلاثة استدلالات:
الأول: في أن الجمعة تشابه الظهر في أمور.
وجوابه أن أوجه الفرق بين الجمعة والظهر أكثر من أوجه الشبه، فكيف تعطى حكم الأقل، ولا أدل على ذلك من تفريق الشافعية أنفسهم حيث لم يجيزوا جمع التأخير لخصوصية الجمعة في أنها لا تخرج عن وقتها، وبهذا تعلم أن تقوية قول الشافعية بأن وقت الجمعة كوقت الظهر ابتداء وانتهاء فيه ضعف.
الثاني: في رد استدلال الحنابلة بعدم جمع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، بأنه ربما جمع ولم ينقل.
وجوابه أن هذا بعيد، فإن هذا مما تتوافر الهمم والدواعي على نقله، لا سيما وأن المسألة ليس لها أصل آخر عملي حتى يقال إنه معلوم من عمل النبي صلى الله عليه وسلم فلا يحتاج إلى نقل، فمثل هذه الحالات يقول العلماء فيها إن عدم النقل هو نقل للعدم.
وكيف ينقل الصحابي حادثة أسبوعين ولا ينقل جمع الصلوات
الثالث: في القول بأن قياس الجمعة على الظهر من باب قياس الرخص
وجوابه: أنه في حقيقته قياس في العبادات وليس قياسا في الرخص، لأن القياس في الرخص أن تقيس رخصة على رخصة فتقول الجمع في الثلج كالجمع في المطر، ولهذا رد بعض الشافعية مثل هذا القياس أي قياس الجمعة على الظهر بحجة قياس الرخص كما في البحر المحيط [7/ 78]، ولأننا إذا طردنا مثل هذا القياس أجزنا الجمع بين العصر والمغرب بحجة أنه قياس في الخرص وبجامع المشقة.
والله أعلم
¥