تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

" وقوله: ((وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه) أي: لا تتنحوا لهم عن الطريق الضيق إكرامًا لهم واحترامًا. وعلى هذا فتكون هذه الجملة مناسبة للجملة الأولى في المعنى والعطف. وليس معنى ذلك: أنا إذا لقيناهم في طريق واسع أنَّا نلجئهم إلى حَرْفِه حتى نضيِّق عليهم؛ لأنَّ ذلك أذى منا لهم من غير سبب، وقد نهينا عن أذاهم ".

فالقول بعد ذلك بربط الحكم بكونهم يقولون (السام عليكم) فيه نظر, والله أعلم.

وقد يسلك طريق آخر في رد هذا الاستدلال, وهو الوجه الثالث, وهو أن يقال:

إن الذين كانوا يقولون (السام عليكم) هم اليهود, والحديث جاء بالنهي عن ابتداء اليهود والنصارى بالسلام وليس اليهود وحدهم, فالتعليل بأنهم كانوا يقولون (السام عليكم) يبطل الحكم من أصله في حق النصارى, والتعليل الذي يعود على بعض النص بالإبطال باطل.

فإن قيل: النص جاء في أهل الكتاب ومنهم النصارى, فلعل النصارى كانوا يقولون ذلك وهم من أهل الكتاب.

أجيب: بأن المراد هنا اليهود, إذ هم الذين كانوا يقولون ذلك. وهو الوارد في سبب الحديث, إذ في رواية البخاري:

" مَرَّ يَهُودِيٌّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ السَّامُ عَلَيْكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَدْرُونَ مَا يَقُولُ قَالَ السَّامُ عَلَيْكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَقْتُلُهُ قَالَ لَا إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ ".

ويؤيد هذا التوجيه أيضا ما جاء في حديث ابن عمر عند البخاري وغيره, قال أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ الْيَهُودُ فَإِنَّمَا يَقُولُ أَحَدُهُمْ السَّامُ عَلَيْكَ فَقُلْ وَعَلَيْكَ.

فخصه باليهود.

ولفظ أهل الكتاب قد يطلق في بعض المواضع ويراد به اليهود وحدهم, ونظير ذلك قوله تعالى: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنزلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا (153)}

قال الطبري:

يعني بذلك جل ثناؤه:"يسألك" يا محمد="أهل الكتاب"، يعني بذلك: أهل التوراة من اليهود="أن تنزل عليهم كتابًا من السماء".

هذا الذي يظهر لي في الجواب, ولعله أولى من أن نقول بأن عموم النص يقضي على هذا التقييد, لأن الاستدلال بني على التعليل وإدارة الحكم مع المعلل به, والتعليل يكون للعام والخاص ولا يمتنع أن يربط الحكم الذي أفاده عموم النص بعلته إذا كان تعليله بها صحيحا, ولذلك الأولى أن نبطل عليه تعليله بما تقدم من الأوجه الثلاث أو غيرها مما قد يظهر بمزيد من التأمل, والله أعلم.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير