يقولُ ابن القيّم رحمه الله في "تحفة المودود" (240):
" ومما يحتاجُ إليهِ الطفلُ غايةَ الاحتياج الاعتناء بأمرِ خلْقهِ، فإنهُ ينشأ على ما عوّدهُ المربي في صغره، فيصعبُ عليه في كبرهِ تلافي ذلك، وتصيرُ هذهِ الأخلاق صفاتٍ وهيئاتٍ راسخةً له، فلو تحرّزَ منها غايةَ التحرزِ فضحته ولا بد يومًا ما " انتهى.
وهذه بعض الإيجابيات من مشاهدة الطفل لهذه البرامج:
1 - تزوّد الطفل بمعلوماتٍ ثقافيةٍ كبيرة وبشكلٍ سهلٍ محبوب: فبعضُ أفلامِ الرسوم المتحركة تُسلِطُ الضوءَ على بيئاتٍ جغرافيةٍ معينة، والبعضُ الآخر يسلطُ الضوءَ على قضايا علمية - كعمل أجهزةِ جسم الإنسان المختلفة -، الأمر الذي يُكسِبُ الطفلَ معارفَ متقدمة في مرحلةٍ مبكرة.
2 - تنميةُ خيالِ الطفل، وتغذيةُ قدراتِهِ، وتنميةُ الخيالِ من أكثر ما يساعدُ على نموّ العقل، وتهيئتهِ للإبداع، ويعلّمهُ أساليبَ مبتكرةً ومتعددةً في التفكيرِ والسلوك.
3 - تعليم اللغةِ العربيةِ الفصحى والّتي غالباً لا يسمعُها الطفلُ في بيته ولا حتى في مدرسته، ومن المعلومِ أنّ تقويمَ لسانِ الطفلِ على اللغةِ السليمةِ مقصدٌ من مقاصدِ العلمِ والتربية.
يقولُ ابنُ تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/ 207):
" واعلم أنّ اعتيادَ اللغةِ يؤثرُ في العقلِ والخلقِ والدّين تأثيرًا قويًا بيّنًا، ويؤثرُ أيضًا في مشابهةِ صدرِ هذه الأمةِ من الصحابةِ والتابعين، ومشابهتهم تزيدُ العقلَ والدّينَ والخُلُق، وأيضًا فإنّ نفسَ اللغة العربية من الدّين، ومعرفتُها فرضٌ واجبٌ " انتهى.
4 - تلبيةُ بعضِ الحاجاتِ والغرائزِ النفسيةِ النافعة: كالرحمة والمودة وبرِّ الوالدين والمنافسة والسعي للنجاح ومواجهة التحديات. . . . وغير ذلك كثير من المعاني الإيجابيةِ التي يُمكنُ غرسُها في ثنايا حلقاتِ أفلامِ الكرتون.
وهناك أيضاً مجموعة من السلبيات المترتبة على مشاهدة هذه البرامج:
1 - السلبياتُ المترتبةُ على مشاهدةِ التلفاز بشكلٍ عام، وهي سلبياتٌ كثيرة، منها: الإضرارُ بصحةِ العينين، وتعويد الكسل والخمول، وتعويد التلقي وعدم المشاركة، وبذلك تعيقُ النموَّ المعرفيّ الطبيعيّ، وذلك أنّ العلمَ بالتعلمِ والبحثِ والطلب، والتلفاز ينتقلُ بالمتابع منَ البحثِ إلى التلقي فقط، كما أنّ في متابعةِ التلفازِ إضعافًا لروحِ المودةِ بينَ أفرادِ الأسرة، وذلك حين ينشغلونَ بالمتابعةِ عن تبادلِ الحديثِ مع بعضهم البعض.
يقولُ ابن القيم في معرض الحديث عما يجب على الولي من التربية في "تحفة المودود" (241):
" ويُجنبهُ الكسلَ والبطالةَ والدعةَ والراحةَ، بلْ يأْخذهُ بأضدادها، ولا يُريحهُ إلا بما يجمُ نفسَهُ وبدنه للشغلِ، فإنّ الكسلَ والبطالةَ عواقبُ سوءٍ، ومغبةُ ندمٍ، وللجدّ والتعبِ عواقبُ حميدةٌ، إمّا في الدنيا، وإما في العُقبى، وإمّا فيهما " انتهى.
2 - تقديمُ مفاهيم عقدية وفكرية وعمليّة مخالفة للإسلام: وذلك حين تنغرسُ في بعضِ الأفلام مفاهيمُ الاختلاط والتبرجِ المحرّم، وبعضُ أفلام الكرتون مثل ما يُعرَف بِ (توم و جيري) تحوي مفاهيمَ محرفةً عن الآخرة، والجنة والنار والحساب، كما أنّ بعضَها يحتوي قصصًا مشوَّهةً للأنبياءِ والرسل، وبعضُها الآخر يحتوي على سخريةٍ من الإسلامِ والمسلمين، وأفلامٌ أخرى (مثل ما يعرف بـ البوكيمون) تحوي عقائد لدياناتٍ شرقية وثنية. . . . وغير ذلك كثير , وإن لم تحملْ ما يخالف الإسلام مخالفة ظاهرة، فهي تحملُ في طيّاتها ثقافة غربيةً غريبةً عن مجتمعاتِنا وديننا.
يقول الدكتور وهبة الزحيلي في "قضية الأحداث" (6):
" أمّا برامجُ الصغارِ وبعضُ برامجِ الكبار، فإنها تَبثّ روحَ التربيةِ الغربية، وتروّجُ التقاليدَ الغربية، وتُرغّبُ بالحفلات والأنديةِ الغربيةِ " انتهى.
ومن التّأثر المقيت بهذه الثقافة، اتخاذ القدوة المثالية الوهمية، بدلاً من أن يكون القدوة هو الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه والعلماء الربانيين والمجاهدين، فتجدُ الأطفالَ يقلّدون (الرجل الخارق Super man) و (الرجل الوطواط Bat man ) و (الرجل العنكبوت SPIDER MAN) ونحو ذلك من الشخصياتِ الوهمية التي لا وجود لها، فتضيعُ القدوة في خضم القوةِ الخيالية المجردة من الإيمان.
انظر: "وسائل الإعلام والأطفال: وجهة نظر إسلامية" أبو الحسن صادق، "مقال: أثر الرسوم المتحركة على الأطفال" نزار محمد عثمان.
بعد تبيّن هذه الإيجابيات والسلبيات، يبدو الموقفُ الشرعيّ بعدَ ذلك واضحًا إن شاءَ الله تعالى، فكلما وجدت السلبياتُ أكثر اقتربَ الحكمُ إلى التحريمِ أكثر، وما أمكنَ فيه تجنبُّ هذه السلبيات اقتربَ إلى الجواز، وهذا يدلنا على ضرورةِ السعي لإيجاد شركاتِ إنتاجٍ لأفلامِ الكرتونِ الإسلاميةِ، بحيث تُغرَسُ فيها جميعُ الفضائل، وتُنفَى عنها جميع المضار والرذائل.
والله أعلم.
الإسلام سؤال وجواب
أرجو أخي الكريم أن أكون قد وفقت في النقول لما تحتاجه في هذه المسألة, كما أود ان أنبه كل أخ مسلم يخاف الله عز وجل, أن الكثير من أفلام الكرتون تشتمل على محرمات عدة ابتداءا من الموسيقى و المناظر الفاتنة و انتهاءا بتعليم الكفر من السحر و الأقوال الكفرية التي قد لا نتفطن إليها من أول لحظة, و لكن بعد التركيز و التثبت نعرف ذلك.
و الله الموفق و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين.