ـ[حسن بن الشيخ علي وَرْسمه]ــــــــ[31 - 03 - 09, 11:55 م]ـ
تتمة: الجواب عن الشبهات:
حديث الأمة لا يَصِحّ الاستدلال به على جواز المصافحة لِعِدّة اعتبارات:
الاعتبار الأول: أن الأخذ باليد لا يَلزم منه المصافحة.
ورواية الإمام أحمد التي أشار إليها قال عنها الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسنادها ضعيف. اهـ.
ومدارها على عليّ بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف.
ولو صحّت لكانت حُجة عليه وليستْ له!
وذلك لأن في رواية الإمام أحمد: إن كانت الوليدة مِن وَلائد أهل المدينة ...
فتُحْمَل الوَليدة على الصغيرة وعلى الكبيرة، ويُستدلّ عليه بِمَا قرره هو من وُرُود الاحتمال وسُقوط الاستدلال!
قال القاضي عياض: " لا تقتلوا وليدا " يعني في الغزو، والجمع ولدان، والأنثى وليدة، والجمع الولائد، وقد تطلق الوليدة على الجارية والأمَة وإن كانت كبيرة. اهـ.
فإذا كان لفظ " الوليدة " يُطلَق على الصغيرة والكبيرة فليس فيه دليل له، إلاَّ أن يُثبت أنها كانت كبيرة. ولو كانت كبيرة فهي أمَة، وليست حُرَّة.
هذا لو صَحَّتْ رواية الإمام أحمد، وإلاَّ فهي ضعيفة.
الاعتبار الثاني: أن اليد تُطلق على ما هو أعمّ مِن الكفّ، ألا ترى قوله تعالى: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ)؟
وأن اليد تشمل ما بين مَفْصل الكفّ إلى أطراف الأصابع.
الاعتبار الثالث: أن ألأخذ يكون معنويا ويكون حِسِّيًّا.
فالمعنوي يُراد به الرفق والإعانة والتسديد. ومنه قول الداعي: اللهم خُذ بيدي. والأخذ على يَدِ الظالم والسَّفِيه، ونحو ذلك.
وهذا المعنى أقرب إلى الحديث، وإليه ذهب الشُّرَّاح.
قال العيني في شرح الحديث: والمراد مِن الأخذ بِيده لازِمه، وهو الرفق والانقياد، يعني: كان خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه المرتبة هو أنه لو كان لأمَة حاجة إلى بعض مواضع المدينة، وتلتمس منه مساعدتها في تلك الحاجة، واحتاجت بأن يمشي معها لقضائها لَمَا تَخَلَّف عن ذلك حتى يَقْضي حاجتها. اهـ.
ويُؤيِّد هذا ما جاء في رواية أحمد: فتنطلق به في حاجتها.
وإذا كان الأخذ حِسّيا فلا يلزم منه المسّ؛ لأن الآخِذ بِطرف الكمّ يَكون آخِذا باليد، ولا يلزم منه مصافحة.
الاعتبار الرابع: أن الأمَة ليست مثل الْحُرَّة، فلا يَحرم النظر إليها إلا أن تُخشى الفتنة، ولذلك لم يُؤمَرن بالحجاب كما تُؤمر الحرائر.
الاعتبار الخامس: ما تقدّم أنه صلى الله عليه وسلم بِمَنْزِلة الأب والْمَحْرَم لِعموم الأمة، ويُستدلّ على ذلك بأمْرَين:
الأول: قوله تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) وفي قراءة أُبيّ وابن مسعود: وهو أبٌ لَهم. وهي قراءة تفسيرية.
الثاني: أنه صلى الله عليه وسلم حُرِّمت عليه النساء بعد قوله تعالى: (لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ).
قال ابن كثير: فإن الآية إنما دَلَّتْ على أنه لا يتزوج بمن عدا اللواتي في عصمته، وأنه لا يستبدل بهن غيرهن، ولا يدل ذلك على أنه لا يطلق واحدة منهن مِن غير اسْتبدال. فالله أعلم. اهـ.
هذا لو حُمِل على الأخذ الحسيّ الحقيقي، مع أنه ليس في ألأحاديث ما يدلّ صراحة على ذلك.
والواجب حَمْل الأحاديث بعضها على بعض، وهذه طريقة أهل العلم، وهي الجمع بين النصوص.
الوجه السابع: قوله: (بل إن بعض الروايات يفهم منها حتى المصافحة في البيعة! كرواية: فقبضت امرأة منا يدها. ورواية: فمد يده من داخل البيت ومددنا أيدينا من خارجه).
هذا ليس فيه حُجّة.
أما لِمَاذا؟
فالجواب عنه مِن وُجوه:
الأول: أن هذا ليس مِن فعله عليه الصلاة والسلام، بل هو مَروي عن عمر رضي الله عنه. وفيه ضعف.
قال ابن حجر: رواه الطبراني في معجمه والبزار في مسنده والطبري في تفسيره وابن مردويه وأبو يعلي الموصلي في مسنده والنسائي في كتاب الكُنى.
¥