تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فكان أن أبت خلفيتي حول العلة القاصرة تقبل ذلك التفسير، أو جعله التفسير الوحيد للعلة القاصرة على أقل تقدير. وحقيقة أنا لا أطعن بالشاب الحنفي ولا بدينه؛ فلست بمحصل أدنى أهلية لذلك، إلا أن أهون ما يمكن أن يذكر في المقام هو أننا نعاني في زماننا من أزمة وقحط (التأصيل) فمثل الشاب المسؤول، والذي يعمل حاليا في لجنة الإفتاء بالأزهر، لعله يبقى السنوات الطوال محصلا لتفسير الدكتور علي جمعة مفتي مصر للعلة القاصرة، دون أن يراجع في ذلك مصنفات الأصول بصفته دارس مختص، فضلا عن تدخل الأهواء وتقديس المتبوعين؛ حيث لمست ترهبا من الشاب الحنفي أن يخالف شيخه في إباحته التعامل مع البنوك التقليدية والتي تتعامل بالربا الصريح؛ فإذا به يجتهد في بيان أو تقريب كون الأمر من الممكن أن يكون خلافيا أو فيه سعة أو كما قصد الشاب. وأكاد أجزم أنه لن يكون ذات الموقف إن اتخذ الدكتور علي جمعة المفتي موقفا صارما من تلك الفوائد الربوية بعد توليه الإفتاء. والله سبحانه الهادي إلى سواء السبيل.

*****

ـ تعريف العلة القاصرة:

قال المحلي:

(هي التي لا تتعدى محل النص) *22

وقال الإسنوي:

(فالمتعدية هي التي توجد في غير المحل المنصوص عليه كالسكر و القاصرة بخلاف ذلك) * 23

إننا إذا قرأنا نصوص بعض علماء الأصول فيما يطلق عليه (العلة القاصرة) نجد أنهم ينفون تعدية العلة القاصرة ـ أي تحققها في غير محل النص ـ

قال المحلي:

(و العلة القاصرة و هي التي لا تتعدى محل النص) *24

و قال الإسنوي:

(ثم العلة إما متعدية أو قاصرة، فالمتعدية هي التي توجد في غير المحل المنصوص عليه كالسكر، و القاصرة بخلاف ذلك) *25

و قال المحلي في معرض رده على من منع التعليل بالعلة القاصرة محتا بعدم فائدتها:

(و منع الإلحاق بمحل معلولها حيث يشتمل على وصف تعد لمعارضتها له، ما لم يثبت استقلاله بالعلية ... ) *26

و قال الغزالي في نفس المعرض:

(لا نسلم عدم الفائدة، بل له فائدتان:

الأولى: معرفة باعث الشروع و مصلحة الحكم استمالة للقلوب إلى الطمأنينة و القبول بالطبع و المسارعة إلى التصديق .......

الفائدة الثانية: المنع من تعدية الحكم عند ظهور علة أخرى متعدية إلا بشرط الترجيح ....... ) *27

هذه النصوص و غيرها في كتب الأصول تدل على عدم جواز تعدية ما يسمى بالعلة القاصرة إلى غير محلها الذي علل بها.

ولكن السؤال هنا:

نعم، نسلم أنها (علة قاصرة) لأنها قاصرة على موضعها، ولكن ما دليل (عدم أهليتها) للتعدي؟

إن كل شيء في موضع واحد يقال: هو قاصر على هذا الموضع، ولكن لا يمنع ذلك من (أهلية) تحققه في غير ذاك الموضع في زمن آخر، لذلك فتفسير العلة القاصرة تفسير تطابق بأنها: ما كانت العلة هي ذات محل الحكم هو تحكم وزيادة على المعنى من قصور العلة؛ ذلك أنه أدرج زيادة على اقتصار العلة على موضعها، وهذه الزيادة هي (عدم أهلية) تلك العلة لأن تكون في غير ذلك الموضع. تأمل فإنه محور فهم تلك المسألة. وسيرد في كلام أئمة الفقه والأصول ما فيه تصريح بذلك، مما يؤكد قصور الطلب والدراسة لدى بعض المحاولين لحل تلك الفوائد من خلال التفسير المغلوط السابق للعلة القاصرة. والله سبحانه ولي التوفيق.

*****

إننا إن نظرنا في كلام الإمام النووي رحمه الله تعالى في المجموع نجد أنه يثبت تعدية العلة القاصرة، بل جعل تعديتها فائدة للتعليل بها، فعاملها ـ في التعدية ـ معاملة العلل الأخرى التي لم توصف بالقصور.

قال رحمه الله تعالى:

(ثم لغير المتعدية فائدتان:

إحداهما / أن تعرف أن الحكم مقصور عليها، فلا تطمع في القياس

والثانية / أنه ربما حدث ما يشارك الأصل في العلة فيلحق به، و أجابوا عن الفلوس بأن العلة عندنا كون الذهب و الفضة جنس الأثمان غالبا، و إن لم تكن أثمانا، و الله سبحانه أعلم) *28

حين ننظر إلى النقل السابق عن أهل الأصوليين فيما يسمى بالعلة القاصرة، قد نظن في أول الأمر أن ثمة تناقض بين تقريراتهم، فبينما ينفي علماء الأصول المنقول عنهم تعدية العلة القاصرة، نجد الإمام النووي رحمه الله تعالى يثبت تعدية العلة القاصرة، رغم كونه يثبت لها لفظ (قاصرة)، فما وجه ذلك؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير