ثالثاً: إن نبينا الكريم حذر دائماً من الدين, وكان يتعوذ منه قائلاً: "اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين". وقال: "إياكم والدين فإنه هم بالليل ومذلة بالنهار".
وقال: "والذي نفسي بيده لو أن رجلاً قتل في سبيل الله ثم أحيي ثم قتل ثم أحيي ثم قتل ثم أحيي ثم قتل وعليه دين ما دخل الجنة حتى يقضى إليه دينه".
وقال: "لأن يلبس الرجل من ألوان (وفي رواية: من رقاع) شتى خير له من أن يستدين ما ليس عنده قضاؤه".
وقال: "أقلّ من الذنوب يهن عليك الموت, وأقلّ من الدين تعش حراً".
وقال: "الدين راية الله في الأرض فإذا أراد أن يذل عبداً وضعها في عنقه".
وقال: "لا تخيفوا أنفسكم" فقيل: يا رسول الله, وبم نخيف أنفسنا؟ قال: "بالدين".
وقالت عائشة: يا رسول الله, ما أكثر ما تتعوذ من المغرم! قال: "إنه من غرم وعد فأخلف وحدث فكذب".
وقال: "إن أعظم الذنوب عند الله أن يلقاه بها عبد بعد الكبائر التي نهى الله عنها أن يموت رجل وعليه دين لا يدع له قضاء".
وبعد هذه التنبيهات النبوية نجد أن الدين بدون ضرورة يثقل كاهل المستدين في الدنيا والآخرة, إلا لشخص لا يجد ما يأكل فله الاستدانة بقدر حاجته وإلا فلا. وإن كان هناك شخص عنده مشروع وليس لديه مال ولكن لديه الفكرة فبوسعه الذهاب إلى صاحب مال والتشارك على أساس نسبة معينة يتفقان عليها.
بعد هذا السرد إذا وجدنا أن التقسيط حرام فالحمد لله الذي هدانا لصراطه المستقيم, وإذا وجدنا غير ذلك فليكن بضوابط شرعية تنظر بعين الرأفة والرحمة للفقير الذي يشتغل بقوت يومه, ولنجد له حلاً يساعده على إكمال حياته بكرامة دون استغلال لحاجته وعوزه, ولنضع الضوابط الشرعية الحازمة على من يبيعون بالتقسيط وعلى الذين يشترون بالتقسيط وهم ليسوا بحاجة إليه. وأرجو أن يوفقنا الله إلى وضع الحلول المناسبة لإعانة المجتمع الإسلامي على حل مشكلاته. ومن الحلول التي أرى أنها مناسبة بإذن الله أن يكون البيع بالتقسيط للفقراء لا للأغنياء, وأن يكون المسؤول عن البيع بالتقسيط جمعية فيها لجان مختصة تدرس وضع الفقير وصدق دعواه وتلبي احتياجاته, بشرط أن تكون هذه الاحتياجات من الضروريات والأساسيات التي لا يمكن الاستغناء عنها. وأكثر حاجة ملحة للفقير المسكن, فمثلاً إذا كان هناك فقير من الناس ليس عنده بيت و يسكن بالأجرة و له معاشه الذي يدفع منه أجرة البيت و يقتات بالباقي يأتي هذا الفقير إلى هذه الجمعية فيتم التأكد من صحة ادعاءاته بواسطة لجان الجمعية المختصة و تجد له البيت المناسب وتشتريه له بشرط أن يكون رخيصاً و يفي بالغرض و تقسطه له بدون زيادة في السعر إلا تكاليف عمل هذه اللجان , لنقل مثلاً سعر البيت مليون و معاش هذا الفقير 17000 شهرياً يأخذون من معاشه 5000 ليرة كل شهر وبغضون 17 سنة تقريباً نقلت هذا الفقير من مستحق للزكاة إلى دافع زكاة, فأنت قد أمنت له منزلاً يكون ملكاً له بعد تأدية كامل سعره يأوي فيه بقية عمره وأولاده من بعده وأولادهم ............ (صدقة جارية). وأخذت ثوابك من الله أضعافاً مضاعفة من الحسنات و ليس أضعافاً مضاعفة من السيئات من جرّاء كسب الربا.
و هكذا إذا أدرجنا باقي مستلزمات البيت مما يحتاجه هذا الفقير في بيته من براد وغسالة و ... على أن تكون السلع جيدة ولكن غير مترفة أو غالية, بحيث تؤمن هذه السلع الحد الأدنى من احتياجات هذا الشخص. ويدفع ما عليه دون ربا يثقل كاهله في الدنيا والآخرة.
وتؤخذ الأموال اللازمة لهذه الجمعية من الصدقات والهبات, كما يمكن أن تتعامل هذه الجمعية مع المصرف الإسلامي بمناقشات مع المستثمرين كي يتوصلوا إلى حلول لتمويلها, كأن يعطي المستثمر نسبة معينة من الأموال التي يستثمرها, فينال الثواب من الله ولا يضيع شيء من هذا المال, لأنه سيرد إليه بالتقسيط. وإن اضطر في يوم من الأيام على سحب المبلغ الذي شارك به فله ذلك بعد اجتماع المستثمرين واتفاقهم على حل مناسب لأزمته. وأنا على يقين من أن المشاركين في هذه الجمعية سيتضاعف مالهم في الدنيا قبل مضاعفة حسناتهم في الآخرة, لأنهم يقرضون الله قرضاً حسناً. "من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة". وهذه أعظم تجارة يتاجرون بها في حياتهم إن كانوا يرجون تجارة لن تبور.
وإن طبق هذا الموضوع في العالم الإسلامي وكثرت الأموال المستثمرة في الدنيا والآخرة بإذن الله سيأتي بعد حين وقت نسترجع فيه ذكرى سيدنا الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز, وتزدهر أمتنا ثانية بالأخلاق والتكافل الاجتماعي.
وهذا ما مكّنّي فيه ربي