كلام الأصحاب يتفق على أن المقرض إذا ظفر بالمقترض في غير بلد القرض فليزم المقترض الأداء , على تفصيل في لزوم البدل أو القيمة إذا كان لحمله مؤونة.
فنأتي إلى الصورة التي ذكرها وهي:
مالحمله مؤونة وقيمته ببلد القرض أنقص من قيمته ببلد الطلب فيلزمه قيمته ببلد القرض. إلى هنا لا إشكال في ذلك.
أما قوله: (ولا يلزم بذل القيمة بمحل طلب لأنه لا يلزمه حمله إليه) فمشكل , هل معنى ذلك أنه في هذه الصورة ليس للمقرض حق في مطالبة المقترض هناك في بلد الطلب بالقيمة في بلد القرض؟ حتى ولو كانت في بلد القرض أنقص؟
مع أنه لا ضرر عليه في ذلك
الجواب: لا , بل له حق المطالبة ببلد الطلب بحسب القيمة ببلد القرض , لأنه لا ضرر عليه في ذلك , فلو كانت قيمته ببلد القرض 50 وقيمته ببلد الطلب 60 سيدفع له ببلد الطلب 50 لا 60 فأين الضرر في ذلك ولماذا لا يلزمه الأداء ببلد الطلب؟
قال في المنتهى مع شرحه:
(ومن طولب) من مقترض وغيره أي طالبه رب دينه (ببدل قرض) قلت ومثله ثمن في ذمة ونحوه (أو) طولب ببدل (غصب ببلد آخر) غير بلد قرض وغصب (لزمه) أي المدين والغاصب أداء البدل لتمكنه من قضاء الحق بلا ضرر (إلا ما لحمله مؤنة) كحديد وقطن وبر (وقيمته ببلد القرض) أو الغصب (أنقص) من قيمته ببلد الطلب (فلا يلزمه إلا قيمته بها) أي ببلد القرض أو الغصب لأنه لا يلزمه حمله إلى بلد الطلب فيصير كالمتعذر وإذا تعذر المثل تعينت القيمة واعتبرت ببلد قرض أو غصب لأنه الذي يجب فيه التسليم فإن كانت قيمته ببلد القرض أو الغصب مساوية لبلد الطلب أو أكثر لزمه دفع المثل ببلد الطلب كما سبق. ا. هـ
لاحظ قوله: اعتبرت ببلد قرض , فالاعتبار ببلد القرض والأداء ببلد الطلب.
و قال في الإقناع: (وإن أقرضه أو غصبه أثماناً أو غيرها فطالبه المقترض أو المغصوب منه ببدلها ببلد آخر لزمه إلا ما لحمله مؤونة وقيمته في بلد القرض والغصب أنقص , فيلزمه إذن قيمته فيه فقط , وليس له مطالبته بالمثل , ولا بقيمته في بلد المطالبة)
لاحظ أنه ألزم المقترض أداء القرض في بلد الطلب بحسب قيمته ببلد القرض.
ثم قال: (وليس له مطالبته بالمثل) أي ليس للمقرض مطالبة المقترض بالمثل.
وقال (ولا بقيمته في بلد المطالبة) أي ليس له المطالبة بقيمته في بلد المطالبة مع أنه ألزمه بأداء القرض في بلد الطلب كما سبق.
و قال في الغاية: (ومن طولب ببذل قرض أو غصب ببلد آخر لزمه , إلا ما لحمله مؤونة وقيمته ببلد القرض أنقص فلا يلزمه إلا قيمته بها لا المثل و لا القيمة بمحل طلب)
هذه العبارة التي تحتها خط مأخوذة باختصار من الإقناع , و التي سبقتها مأخوذة بالنص من المنتهى.
ولو نظرت إلى هذه العبارة لعلمت أن شرحها يكون هكذا: (فلا يلزمه إلا قيمته بها , لا) يلزمه المثل , (ولا) تلزمه (القيمة بمحل طلب) , وهذا هو الموافق لعبارة الإقناع.
و قال الرحيباني في شرح الغاية:
مطالب أولي النهى - (3/ 247)
(وَمَنْ طُولِبَ) مِنْ مُقْتَرِضٍ وَغَيْرِهِ ; أَيْ: طَالَبَهُ رَبُّ دَيْنِهِ (بِبَذْلِ قَرْضٍ) , أَوْ ثَمَنٍ فِي ذِمَّةٍ , (أَوْ) طُولِبَ بِبَدَلِ (غَصْبٍ بِبَلَدٍ آخَرَ) غَيْرِ بَلَدِ قَرْضٍ وَغَصْبٍ ; (لَزِمَهُ) ; أَيْ: الْمَدِينَ أَوْ الْغَاصِبَ رَدُّ الْبَدَلِ ; لِتَمَكُّنِهِ مِنْ قَضَاءِ الْحَقِّ بِلَا ضَرَرٍ , (إلَّا مَا لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ) ; كَحَدِيدٍ وَقُطْنٍ وَبُرٍّ (وَقِيمَتُهُ بِبَلَدِ الْقَرْضِ) أَوْ الْغَصْبِ (أَنْقَصُ) مِنْ قِيمَتِهِ بِبَلَدِ الطَّلَبِ ; (فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا قِيمَتُهُ بِهَا) ; أَيْ: [بَلَدِ] الْقَرْضِ أَوْ الْغَصْبِ ; لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمْهُ حَمْلٌ إلَى بَلَدِ الطَّلَبِ , فَيَصِيرُ كَالْمُتَعَذَّرِ , وَإِذَا تَعَذَّرَ الْمِثْلُ تَعَيَّنَتْ الْقِيمَةُ , وَاعْتُبِرَتْ بِبَلَدِ الْقَرْضِ أَوْ الْغَصْبِ ; لِأَنَّهُ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ التَّسْلِيمُ , وَ (لَا) يَلْزَمُ مُقْتَرِضًا أَوْ غَاصِبًا بَذْلُ (الْمِثْلِ , وَلَا) بَذْلُ (الْقِيمَةِ بِمَحَلِّ طَلَبٍ))
لاحظ الكلام كله عن الذي يلزمه في بلد الطلب.
فقوله (ولا بذل القيمة بمحل طلب) أي لا يلزمه بذل قيمة القرض باعتبار محل طلب , وإنما يلزمه بذل القيمة باعتبار محل القرض.
ولم ينفِ الأداء ببلد الطلب , وإنما نفى اعتبار القيمة ببلد طلب.
ولو أراد نفي الأداء ببلد الطلب لقال: ولا بذلٌ بمحل طلب.
أما قول أخينا هشام ـ بعد ذلك ـ: (لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ حَمْلُهَا إلَيْهِ)
فهذا التعليل ليس لمسألتنا!
وإنما هو لمسألة العارية والأمانة.
قال في الغاية:
(وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ طُولِبَ بِعَيْنِ الْغَصْبِ بِغَيْرِ بَلَدِهِ ; لَمْ يَلْزَمْهُ , وَكَذَا لَوْ طُولِبَ بِأَمَانَةٍ أَوْ عَارِيَّةً وَنَحْوِهَا بِغَيْرِ بَلَدِهَا ; لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ حَمْلُهَا إلَيْهِ.).
فلا يلزمه حمل العارية والأمانة إلى بلد الطلب.
¥