جـ. نا محمد بن عبد الله الشافعي نا محمد بن تمام بن صالح النهراني بحمص نا المسيب بن واضح نا المسيب بن شريك عن عتبة بن يقظان عن الشعبي عن مسروق عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (نسخت الزكاة كل صدقة في القرآن ونسخ صوم رمضان كل صوم ونسخ غسل الجنابة كل غسل ونسخت الأضاحي كل ذبح)، وفيه أيضاً المسيب بن شريك وعتبة بن يقظان وعرفت ما قيل فيهما فلا يحتج بهما. وقال صاحب التعليق المغني على الدارقطني: [حديث علي مروي من طرق وكلها ضعاف لا يصح الاحتجاج بها]، وقال النووي: [اتفق الحفاظ على ضعفه].
وقال الألباني عن هذا الحديث: [ضعيف جداً. رواه الدارقطني في سننه ص543 من طريق الهيثم بن سهل المسبب بن شريك: نا عبيد المكتب عن عامر عن مسروق عن علي مرفوعاً. وقال: خالفه المسيب بن واضح عن المسيب - هو ابن شريك - وكلاهما ضعيفان، والمسيب ابن شريك متروك. ثم ساقه من طريق ابن واضح نا المسيب بن شريك عن عتبة بن يقظان عن الشعبي عن مسروق به. وقال: عتبة بن يقظان متروك أيضا ً. ورواه البيهقي 9/ 261 - 262 عن ابن شريك بالوجهين. ونقل عن الدارقطني ما سبق من التضعيف الشديد وأقره عليه.
ومن آثار هذا الحديث السيئة أنه صرف جماً غفيراً من هذه الأمة. عن سنة صحيحة مشهورة، ألا وهي العقيقة، وهي الذبح عن المولود في اليوم السابع، عن الغلام شاتين وعن الأنثى شاةً واحدةً، وقد جاء في ذلك أحاديث كثيرة تراجع في كتاب تحفة الودود في أحكام المولود للعلامة ابن القيم، اجتزئ هنا بإيراد واحد منها وهو قوله ?: (مع الغلام عقيقة، فأهريقوا عنه دماً) رواه البخاري 9/ 486. وغيره من حديث سلمان بن عامر الضبي مرفوعاً. لقد ترك العمل بهذا الحديث الصحيح وغيره مما في الباب حتى لا تكاد تسمع في هذه البلاد وغيرها أن أحداً من أهل العلم والفضل – دع غيرهم – يقوم بهذه السنة! ولو أنهم تركوها إهمالاً كما أهملوا كثيراً من السنن الأخرى لربما هانت المصيبة، ولكن بعضهم تركها إنكاراً لمشروعيتها! لا لشيء إلا لهذا الحديث الواهي! فقد استدل به بعض الحنفية على نسخ مشروعية العقيقة! فإلى الله المشتكى من غفلة الناس عن الأحاديث الصحيحة، وتمسكهم بالأحاديث الواهية الضعيفة].
وأجاب ابن حزم عن احتجاجهم بنسخ الأضحى كل ذبح قبله بقوله: [واحتج من لم يرها واجبة برواية واهية عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين: (نسخ الأضحى كل ذبح كان قبله) وهذا لا حجة فيه لأنه قول محمد بن علي، ولا يصح دعوى النسخ إلا بنص مسند إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم].
وقال الإمام أحمد في الأحاديث المعارضة لأحاديث العقيقة: [ليست بشيء ولا يعبأ بها].
وادعاء الحنفية بأن الأضحية نسخت العقيقة باطل لأن الأضحية شرعت في السنة الثانية للهجرة وعق النبي صلى الله عليه و سلم عن الحسن والحسين في السنتين الثالثة والرابعة، وحديث أم كرز في العقيقة كان عام الحديبية وهي في السنة السادسة للهجرة والعقيقة عن إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه و سلم كانت سنة ثمان للهجرة، فكيف ينسخ المتقدم المتأخر وهذا باطل.
وقال الحافظ ابن عبد البر: [ليس ذبح الأضحى بناسخ للعقيقة عند جمهور العلماء ولا جاء في الآثار المرفوعة ولا عن السلف ما يدل على ما قال محمد بن الحسن ولا أصل لقوله في ذلك].
وأما احتجاج الحنفية بحديث: (لا يحب الله العقوق) فلا دلالة فيه على كراهة العقيقة لأن بقية الحديث تثبتها وهي: (من ولد له فأحب أن ينسك عن ولده فلينسك).
قال البغوي: [وليس هذا الحديث عند العامة على توهين أمر العقيقة ولكنه ? كره تسميتها بهذا الاسم على مذهبه في تغيير الاسم القبيح إلى ما هو أحسن منه فأحب أن يسميها بأحسن منها من نسيكة أو ذبيحة أو نحوها].
وأما الجواب عن احتجاجهم بحديث: (لا تعقي)، فما قاله الحافظ العراقي في شرح الترمذي يحمل على أنه ? كان عق عنه ثم استأذنته فاطمة أن تعق هي عنه أيضاً فمنعها.
وقال الحافظ ابن حجر: [ويحتمل أن يكون منعها لضيق ما عندهم حينئذ فأرشدها إلى نوع من الصدقة أخف، ثم تيسر له عن قرب ما عق به عنه].
وقال ابن القيم: [ولو صح قوله (لا تعقي) عنه لم يدل ذلك على كراهية العقيقة لأنه عليه الصلاة والسلام أحب أن يتحمل عنها العقيقة فقال لها: (لا تعقي) وعق هو عليه الصلاة والسلام عنهما وكفاهما المؤنة].
وقال الشوكاني: [قوله: (لا تعقي) قيل يحمل هذا على أنه قد كان? عق عنه، وهذا متعين].
هذا هو الظاهر لأن الأحاديث قد ثبتت ثبوتاً لا مجال للشك فيه أن النبي صلى الله عليه و سلم عق عن الحسن والحسين فحصل أصل السنة بعق الرسول صلى الله عليه و سلم عنهما ولا داع لأن تعق فاطمة عنهما مرة ثانية. والله أعلم.
ولا بد أن أذكر أن بعض علماء الحنفية لم يتعصب لمذهبه بل خالف المذهب اعتماداً على ما صح من الأحاديث والآثار في إثبات مشروعية العقيقة ومن هؤلاء المنصفين العلامة أبو الحسنات اللكنوي حيث قال معلقاً على قول محمد بن الحسن بنسخ العقيقة (وإن أريد أنها كانت في الجاهلية مستحبة أو مشروعة، فلما جاء الإسلام رفض استحبابها وشرعيتها فهو غير مسلم، فهذه كتب الحديث مملوءة من أحاديث شرعية العقيقة واستحبابها …).
وأما ما احتج به أصحاب القول الرابع فلا حجة فيه لأنه جمود على ظاهر النصوص التي جعلت العقيقة في اليوم السابع فقط.
وأما ما احتج به أصحاب القول الخامس على عدم مشروعية العقيقة عن الأنثى فترده الأحاديث الثابتة في ذلك كحديث أم كرز وعائشة وأسماء، ولعل هذه الأحاديث لم تبلغهم. والله أعلم.
¥