وقال الخرقي: [ويجتنب فيها من العيب ما يجتنب في الأضحية]. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي شارحاً كلام الخرقي: [وجملته أن حكم العقيقة حكم الأضحية في سنها وأنه يمنع فيها من العيب ما يمنع فيها، ويستحب فيها من الصفة ما يستحب فيها، وكانت عائشة تقول: [ائتوني به أعين أقرن]، وقال عطاء: [الذكر أحب إليَّ من الأنثى والضأن أحب من المعز] فلا يجزئ فيها أقل من الجذع من الضأن والثني من المعز ولا يجوز فيها العوراء البين عورها والعرجاء البين ظلعها، والمريضة البين مرضها. والعجفاء التي لا تنقي والعضباء التي ذهب أكثر من نصف أذنها أو قرنها وتكره فيها الشرقاء والخرقاء والمقابلة والمدابرة ويستحب استشراف العين والأذن كما ذكرنا في الأضحية سواء لأنها تشبهها فتقاس عليها].
وقال أبو إسحاق الشيرازي: [ولا يجزئ إلا السليم من العيوب لأنه إراقة دم بالشرع فاعتبر فيه ما ذكرناه كالأضحية].
وبناءً على ذلك لا يجزئ في العقيقة العرجاء البين عرجها، ولا العوراء البين عورها، ولا المريضة البين مرضها، ولا العجفاء الهزيلة، ولا العمياء، ولا الكسيرة، ولا الكسيحة، وهذه العيوب ذكرت في حديث البراء بن عازب ? الوارد في الأضحية وفيه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين عرجها والكسير التي لا تنقي). قال: - أي الراوي عن البراء وهو عبيد بن فيروز -: قلت: فإني أكره النقص في السن. قال: - أي البراء -: ما كرهت فدعه ولا تحرمه على أحد] رواه أصحاب السنن الأربعة، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم. وصححه الشيخ الألباني. والكسير التي لا تنقي هي التي لا تقوم ولا تنهض من الهزال.
ولا يجزئ في العقيقة - كما في الأضحية - ما كان من العيوب أشد مما ذكر في حديث البراء، قال الحافظ ابن عبد البر: [أما العيوب الأربعة المذكورة في هذا الحديث فمجتمع عليها لا أعلم خلافاً بين العلماء فيها ومعلوم أن ما كان في معناها داخل فيها ولا سيما إذا كانت العلة فيها أبين، ألا ترى أن العوراء إذا لم تجز فالعمياء أحرى ألا تجوز، وإذا لم تجز العرجاء فالمقطوعة الرِجل أو التي لا رِجل لها المقعدة أحرى أن لا تجوز، وهذا كله واضح لا خلاف فيه].
والعقيقة قربة يتقرب بها العبد إلى الله سبحانه وتعالى فينبغي أن تكون سليمة من العيوب سمينة طيبة فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً.
وخالف ابن حزم فأجاز المعيبة ولم يشترط سلامة العقيقة من العيوب وإن كان الأفضل عنده هو السلامة من العيوب فقال: [ويجزئ المعيب سواء كان مما يجوز في الأضحية أو كان مما لا يجوز فيها والسالم أفضل].
ووافق الشوكانيُّ ابنَ حزمٍ في عدم اشتراط شروط الأضحية في العقيقة فقال: [هل يشترط فيها ما يشترط في الأضحية؟ وفيه وجهان للشافعية، وقد استدل بإطلاق الشاتين على عدم الاشتراط وهو الحق، لكن لا لهذا الإطلاق، بل لعدم ورود ما يدل ههنا على تلك الشروط والعيوب المذكورة في الأضحية، وهي أحكام شرعية لا تثبت بدون دليل].
وقول الجمهور أقوى وأولى وقد ورد عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول: (ائتوني به أعين أقرن).
الشرط الثالث: أن تتوافر الأسنان المطلوبة في العقيقة كما هو الحال في الأضحية فلا تجوز العقيقة بالغنم إلا إذا أتمت الشاة سنة من عمرها، ويجب أن تتم البقرة سنتين من عمرها والإبل أن تتم خمساً من عمرها، وهذا القول بناء على إلحاق العقيقة بالأضحية وعليه جمهور أهل العلم.
نقل الخلال في الجامع أن الإمام أحمد قال: [وفي قول النبي صلى الله عليه و سلم: (من ولد له فأحب أن ينسك عنه فليفعل) فالدليل على أنه إنما يجزئ فيها ما يجزئ في النسك سواء من الضحايا والهدايا ولأنه ذبح مسنون إما واجباً وإما استحباباً يجري مجرى الهدي والأضحية في الصدقة والهدية والأكل والتقرب إلى الله فاعتبر فيها السن الذي يجزئ فيهما ولأنه شرع بوصف التمام والكمال ولهذا شرع في حق الغلام شاتان وشرع أن تكونا متكافئتين لا ينقص أحدهما عن الأخرى فاعتبر أن يكون سنهما سن الذبائح المأمور بها ولهذا جرت مجراها في عامة أحكامها].
وقال الماوردي: [وهي من النعم كالضحايا وفي أسنانها من الجذع من الضأن والثني من المعز، فإن عدل عن الغنم إلى البدن من الإبل والبقر كان أزيد من المسنون وأفضل، وإن عق دون الجذع من الضأن ودون الثني من المعز ففي إقامته لسنة العقيقة به وجهان: أحدهما: لا تقوم به سنة العقيقة اعتباراً بالأضحية وتكون ذبيحة لحم ليست بعقيقة لأنهما مسنونتان، وقد قيد الشرع سن إحداهما فتقرر به السن فيهما، فعلى هذا لو عين العقيقة في شاة وأوجبها وجبت كالأضحية ولم يكن له أن يبدلها بغيرها ويجب أن يتصدق منها على الفقراء لحماً نيئاً ولا يخص بها الأغنياء. والوجه الثاني: أنه يقوم بما دون من الأضحية سنة العقيقة، لأن الأضحية أوكد منها لتعلقها بسبب راتب واحد عام، فجاز أن تكون في السن أغلظ منها].
قال ابن قدامة المقدسي: [وجملته أن حكم العقيقة حكم الأضحية في سنها].
وقال ابن رشد القرطبي: [وأما سن هذا النسك وصفته فسن الضحايا وصفتها الجائزة].
وقال الإمام النووي: [المجزئ في العقيقة هو المجزئ في الأضحية فلا تجزئ دون الجذعة من الضأن أو الثنية من المعز والإبل والبقر هذا هو الصحيح المشهور وبه قطع الجمهور، وفيه وجه حكاه الماوردي وغيره أنه يجزئ دون جذعة الضأن وثنية المعز والمذهب الأول].
وقد رجح الحافظ ابن حجر ما صححه النووي فقال: [واستدل بإطلاق الشاة والشاتين على أنه يشترط في العقيقة ما يشترط في الأضحية وفيه وجهان للشافعية وأصحهما يشترط وهو بالقياس لا بالخبر].
وقال ابن الحاج المالكي: [وحكمها حكم الأضحية في السن والسلامة من العيوب].
وقال ابن حبيب من المالكية: [سنها واجتناب عيوبها ومنع بيع شيء منها مثل الأضحية الحكم واحد].
¥