تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بائع الخبز يبيع الرغيف بنصف ريال ووضعت النصف ريال وأخذت الرغيف، صح البيع عندهم، ولو أنك مررت على صاحب ذهب ورأيت عقد الذهب بعشرة آلاف ريال فجئت وسحبت العقد دون أن يقول لك: بعت، ودون أن تقول: اشتريت، ودفعت العشرة آلاف وأخذت العقد صح البيع، وهذا في الغالي والكثير، والأول في اليسير والحقير، والبيع عندهم صحيح، المهم عندهم أن يحصل شيء يدل على الرضا، ولا يقيدونه بالقول، فأي فعل يدل على الرضا فالبيع عندهم صحيح، وهذا مذهب الجمهور. - وذهب الشافعية رحمهم الله إلى عدم صحة بيع المعاطاة مطلقاً، وأنك إذا اشتريت خبزاً بنصف ريال أو بربع ريال فلا يصح، حتى يقول لك: بعت، وتقول: اشتريت، أي: حتى يقع الإيجاب والقبول، فلا يصح هنا البيع بالأفعال، بل لا بد من القول. - وذهب الحنفية في رواية، والإمام أحمد أيضاً في رواية، وهو قول عند الشافعية إلى التفريق، فقالوا: يصح بيع المعاطاة في اليسير والحقير، ولا يصح في الكثير والجليل أي: الشيء الذي له قيمة لا يصح بيع المعاطاة فيه، والشيء اليسير الذي قيمته يسيرة يصح البيع فيه، ففرقوا بين القليل والكثير. أما الذين صححوا البيع وهم جمهور العلماء رحمهم الله فاحتجوا بدليل الكتاب والسنة والإجماع: أما دليلهم من الكتاب فقوله سبحانه وتعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ [البقرة:275] فالله عز وجل بيّن في هذه الآية صحة البيع دون أن يفرق بين بيع قائم على القول أو قائم على الفعل، فما فرق بين بيع وآخر. ثانياً: قوله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ [النساء:29] ووجه الدلالة من هذه الآية الكريمة: أن الرضا أمر متعلق بالقلب يدل عليه الظاهر بالفعل كما يدل عليه بالقول، فأنت الآن حينما تأتي وترى على السلعة قيمة عشرة ريالات وتأتي وتدفعها له وتأخذ السلعة، ما معناه؟ معناه أنك راضٍ ببذل هذه العشرة مقابل هذه السلعة، كما أنك تقول له: بعت ويقول: اشتريت، فحينما دفعت المال لا فرق بينهما، هذا بالنسبة لدليل الكتاب. أما دليل السنة: فحديثابن حبان في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما البيع عن تراض) قالوا: إن الرضا -كما في دليل الكتاب- يدل عليه الفعل كما يدل عليه القول. والدليل من الإجماع: هذا الإجماع نقله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وله بحث نفيس حبذا لو يرجع إليه في كتابه النفيس (القواعد النورانية) فقد تكلم على هذه المسألة كلاماً نفيساً، وقرر أن الشرع لا يقيدنا بالألفاظ وأن العبرة بالرضا، سواء كان بالقول أو بالفعل، ونقل كلاماً نفيساً عن السلف، وأنهم كانوا ينزلون دلالة الأفعال منزلة دلالة الأقوال، فيقول في معرض كلامه: ألا ترى الرجل يبني المسجد ثم يفتح أبواب المسجد، ولا يصيح للناس: أيها الناس! قد أوقفت هذا المسجد لله أو كذا، فنفهم أنه حينما فتح باب المسجد أنه يقصد وجه الله عز وجل، أو يريد وقفه للطاعة والصلاة فيه، فلا يحتاج الداخل ولا يحتاج المصلي إلى استئذان، كذلك لو مررت على سبيل ماء وتجد صاحبه -كما ذكر رحمه الله- يشرع للناس الماء، ويضع كئوس الماء، تفهم من هذا أنه سبيل ووقف يراد به الخير، فتشرب ولا تنتظر من صاحبه أن يقول: أذنت لك أن تشرب، فجعل إخراجه (لصنبور) الماء خارج داره وإبرازه منزلاً منزلة الإذن باللفظ، وذكر على هذا أشياء كثيرة، وأن السلف رحمهم الله كانوا على هذا، وعليه قال: إننا نعرف من إجماع السلف وهديهم رحمهم الله أنه لا فرق بين دلالة الفعل ودلالة القول. وأما الذين منعوا بيع المعاطاة فيحتجون بقوله تعالى: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ [النساء:29] قالوا: إن الرضا أمر غيبي ولا نستطيع أن نعلمه إلا إذا صرح بدليل لفظه أنه راضٍ. واستدلوا أيضاً بالقياس، فقالوا: لا يصح البيع بالأفعال كما لا يصح النكاح بالأفعال، أي: كما أن النكاح يجب فيه الصيغة باللفظ، كذلك البيع تجب فيه الصيغة باللفظ. وأما الذين فرقوا بين القليل والكثير، فعندهم دليل الاستحسان، فيستدلون بدليل الشافعية على المنع ويستثنون اليسير من باب الاستحسان، والاستحسان: هو الاستثناء من الأصل العام بدليل ينقدح في نفس المجتهد. والذي يترجح -ختاماً- في هذه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير