تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الْقِسْم الْأَوَّل أَنْ يَكُونُ مِنْ أَعْمَال الْقُلُوب صِرْفًا كَالشَّكِّ فِي الْوَحْدَانِيَّة أَوْ النُّبُوَّة أَوْ الْبَعْث فَهَذَا كُفْر وَيُعَاقَب عَلَيْهِ جَزْمًا، وَدُونه الْمَعْصِيَة الَّتِي لَا تَصِل إِلَى الْكُفْر كَمَنْ يُحِبّ مَا يُبْغِض اللَّه وَيُبْغِض مَا يُحِبّهُ اللَّه وَيُحِبّ لِلْمُسْلِمِ الْأَذَى بِغَيْرِ مُوجِب لِذَلِكَ فَهَذَا يَأْثَم، وَيَلْتَحِق بِهِ الْكِبْر وَالْعُجْب وَالْبَغْي وَالْمَكْر وَالْحَسَد، وَفِي بَعْض هَذَا خِلَاف. فَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ أَنَّ سُوء الظَّنّ بِالْمُسْلِمِ وَحَسَدَهُ مَعْفُوّ عَنْهُ وَحَمَلُوهُ عَلَى مَا يَقَع فِي النَّفْس مِمَّا لَا يُقْدَر عَلَى دَفْعه. لَكِنَّ مَنْ يَقَع لَهُ ذَلِكَ مَأْمُور بِمُجَاهَدَتِهِ النَّفْس عَلَى تَرْكه وَالْقِسْم الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مِنْ أَعْمَال الْجَوَارِح كَالزِّنَا وَالسَّرِقَة فَهُوَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ النِّزَاع، فَذَهَبَتْ طَائِفَة إِلَى عَدَم الْمُؤَاخَذَة بِذَلِكَ أَصْلًا، عَنْ نَصّ الشَّافِعِيّ، وَيُؤَيِّدهُ مَا وَقَعَ فِي حَدِيث خُرَيْم بْن فَاتِك الْمُنَبَّه عَلَيْهِ قَبْل فَإِنَّهُ حَيْثُ ذَكَرَ الْهَمّ بِالْحَسَنَةِ قَالَ: عَلِمَ اللَّه أَنَّهُ أَشْعَرَهَا قَلْبه وَحَرَصَ عَلَيْهَا، وَحَيْثُ ذَكَرَ الْهَمّ بِالسَّيِّئَةِ لَمْ يُقَيِّد بِشَيْءٍ بَلْ قَالَ فِيهِ: وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ لَمْ تُكْتَب عَلَيْهِ، وَالْمَقَام مَقَام الْفَضْل فَلَا يَلِيق التَّحْجِير فِيهِ. وَذَهَبَ كَثِير مِنْ الْعُلَمَاء إِلَى الْمُؤَاخَذَة بِالْعَزْمِ الْمُصَمَّم، وَسَأَلَ اِبْنُ الْمُبَارَك سُفْيَان الثَّوْرِيَّ: أَيُؤَاخَذُ الْعَبْد بِمَا يَهُمُّ بِهِ؟ قَالَ: إِذَا جَزَمَ بِذَلِكَ. وَاسْتَدَلَّ كَثِير مِنْهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} وَحَمَلُوا حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة الصَّحِيح الْمَرْفُوع " إِنَّ اللَّه تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ أَوْ تَكَلَّمْ " عَلَى الْخَطَرَات كَمَا تَقَدَّمَ. ثُمَّ اِفْتَرَقَ هَؤُلَاءِ فَقَالَتْ طَائِفَة: يُعَاقَب عَلَيْهِ صَاحِبُهُ فِي الدُّنْيَا خَاصَّة بِنَحْوِ الْهَمّ وَالْغَمّ، وَقَالَتْ طَائِفَة: بَلْ يُعَاقَب عَلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة لَكِنْ بِالْعِتَابِ لَا بِالْعَذَابِ، وَهَذَا قَوْل اِبْنِ جُرَيْجٍ وَالرَّبِيع بْن أَنَسٍ وَطَائِفَة وَنُسِبَ ذَلِكَ إِلَى اِبْنِ عَبَّاس أَيْضًا، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ النَّجْوَى الْمَاضِي شَرْحه فِي " بَابِ سَتْر الْمُؤْمِن عَلَى نَفْسه " مِنْ كِتَاب الْأَدَب، وَاسْتَثْنَى جَمَاعَة مِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى عَدَم مُؤَاخَذَة مَنْ وَقَعَ مِنْهُ الْهَمّ بِالْمَعْصِيَةِ مَا يَقَع فِي الْحَرَم الْمَكِّيّ وَلَوْ لَمْ يُصَمِّم لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} ذَكَرَهُ السُّدِّيّ فِي تَفْسِيره عَنْ مُرَّة عَنْ اِبْنِ مَسْعُود، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَد مِنْ طَرِيقه مَرْفُوعًا، وَمِنْهُمْ مَنْ رَجَّحَهُ مَوْقُوفًا، وَيُؤَيِّد ذَلِكَ أَنَّ الْحَرَم يَجِبُ اِعْتِقَاد تَعْظِيمه فَمَنْ هَمَّ بِالْمَعْصِيَةِ فِيهِ خَالَفَ الْوَاجِبَ بِانْتِهَاكِ حُرْمَتِهِ، وَتُعُقِّبَ هَذَا الْبَحْث بِأَنَّ تَعْظِيم اللَّه آكَدُ مِنْ تَعْظِيمِ الْحَرَم وَمَعَ ذَلِكَ فَمَنْ هَمَّ بِمَعْصِيَتِهِ لَا يُؤَاخِذُهُ فَكَيْفَ يُؤَاخَذ بِمَا دُونَهُ؟ وَيُمْكِن أَنْ يُجَابَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ اِنْتَهَاك حُرْمَة الْحَرَم بِالْمَعْصِيَةِ تَسْتَلْزِم اِنْتَهَاك حُرْمَة اللَّه لِأَنَّ تَعْظِيم الْحَرَم مِنْ تَعْظِيم اللَّه فَصَارَتْ الْمَعْصِيَة فِي الْحَرَم أَشَدَّ مِنْ الْمَعْصِيَة فِي غَيْره وَإِنْ اِشْتَرَكَ الْجَمِيع فِي تَرْك تَعْظِيم اللَّه تَعَالَى، نَعَمْ مَنْ هَمَّ بِالْمَعْصِيَةِ قَاصِدًا الِاسْتِخْفَاف بِالْحَرَمِ عَصَى، وَمَنْ هَمَّ بِمَعْصِيَةِ اللَّه قَاصِدًا الِاسْتِخْفَاف بِاَللَّهِ كَفَرَ، وَإِنَّمَا الْمَعْفُوّ عَنْهُ مَنْ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير