تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وإذ قد عبر بصيغة المضي في قوله (طعموا) تعين أن يكون (إذا) ظرفا للماضي وذلك على أصح القولين للنحاة وإن كان المشهور أن (إذا) ظرف للمستقبل والحق أن (إذا) تقع ظرفا للماضي. وهو الذي اختاره ابن مالك ودرج عليه ابن هشام في مغني اللبيب. وشاهده قوله تعالى (ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم) وقوله (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها) وآيات كثيرة. فالمعنى لا جناح عليهم إذ كانوا آمنوا واتقوا ويؤول معنى الكلام: ليس عليهم جناح لأنهم آمنوا واتقوا فيما كان محرما يومئذ وما تناولوا الخمر وأكلوا الميسر إلا قبل تحريمهما

هذا تفسير الآية الجاري على ما اعتمده جمهور المفسرين جاريا على ما ورد في من سبب نزولها في الأحاديث الصحيحة

ومن المفسرين من جعل معنى الآية غير متصل بآية تحريم الخمر والميسر. وأحسب أنهم لم يلاحظوا ما روي في سبب نزولها لأنهم رأوا أن سبب نزولها لا يقصرها على قضية السبب بل يعمل بعموم لفظها على ما هو الحق في أن عموم اللفظ لا يخصص بخصوص السبب فقالوا: رفع الله الجناح عن المؤمنين في أي شيء طعموه من مستلذات المطاعم وحلالها إذا ما اتقوا ما حرم الله عليهم أي ليس من البر حرمان النفس بتحريم الطيبات بل البر هو التقوى فيكون من قبيل قوله تعالى (وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى). وفسر به في الكشاف مبتدئا به

وعلى هذا ا لوجه يكون معنى الآية متصلا بآية (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) فتكون استئنافا ابتدائيا لمناسبة ما تقدم من النهي عن أن يحرموا على أنفسهم طيبات ما أحل الله لهم بنذر أو يمين على الامتناع

وادعى بعضهم أن هذه الآية نزلت في القوم الذين حرموا على أنفسهم اللحوم وسلكوا طريق الترهب؛ ومنهم عثمان بن مظعون ولم يصح أن هذا سبب نزولها. وعلى هذا التفسير يكون (طعموا) مستعملا في المعنى المشهور وهو الأكل وتكون كلمة (إذا) مستعملة في المستقبل وفعل (طعموا) من التعبير عن ا لمستقبل بلفظ الماضي بقرينة كلمة (إذا) كما في قوله تعالى (ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون)

ويعكر على هذا التفسير أن الذين حرموا الطيبات على أنفسهم لم ينحصر تحريمهم في المطعوم والشراب بل يشمل اللباس والنساء اللهم إلا أن يقال: إن الكلام جرى على مراعاة الغالب في التحريم

وقال الفخر: زعم بعض الجهال أن الله تعالى لما جعل الخمر محرمة عندما تكون موقعة للعداوة والبغضاء وصادة عن ذكر الله وعن الصلاة بين في هذه الآية أنه لا جناح على من طعمها إذا لم يحصل معه شيء من تلك المفاسد بل حصل معه الطاعة والتقوى والإحسان إلى الخلق ولا يمكن حمله على أحوال من شرب الخمر قبل نزول آية التحريم لأنه لو كان ذلك لقال ما كان جناح على الذين طعموا كما ذكر في آية تحويل القبلة فقال (وما كان الله ليضيع إيمانكم) ولا شك أن (إذا) للمستقبل لا للماضي. قال الفخر: وهذا القول مردود بإجماع كل الأمة. وأما قولهم (إذا) للمستقبل فجوابه أن الحل للمستقبل عن وقت نزول الآية في حق الغائبين

صلى الله عليه و سلم عليه الصلاة و السلام

(1/ 1197)


والتقوى امتثال المأمورات واجتناب المنهيات ولذلك فعطف (وعملوا الصالحات) على (اتقوا) من عطف الخاص على العام للاهتمام به كقوله تعالى (من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكائل) ولأن اجتناب المنهيات أسبق تبادرا إلى الأفهام في لفظ التقوى لأنها مشتقة من التوقي والكف
وأما عطف (وآمنوا) على (اتقوا) فهو اعتراض للإشارة إلى أن الإيمان هو أصل التقوى كقوله تعالى (فك رقبة أو إطعام إلى قوله ثم كان من الذين آمنوا). والمقصود من هذا الظرف الذي هو كالشرط مجرد التنويه بالتقوى والإيمان والعمل الصالح وليس المقصود أن نفي الجناح عنهم مقيد بأن يتقوا ويؤمنوا ويعملوا الصالحات للعلم بأن لكل عمل أثرا على فعله أو على تركه وإذ قد كانوا مؤمنين من قبل وكان الإيمان عقدا عقليا لا يقبل التجدد تعين أن المراد بقوله (وآمنوا) معنى وداموا على الإيمان ولم ينقضوه بالكفر
وجملة (ثم اتقوا وآمنوا) تأكيد لفظي لجملة (إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات) وقرن بحرف (ثم) الدال على التراخي الرتبي ليكون إيماء إلى الازدياد في التقوى وآثار الإيمان كالتأكيد في قوله تعالى (كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون) ولذلك لم يكرر قوله (وعملوا الصالحات) لأن عمل الصالحات مشمول للتقوى
وأما جملة (ثم اتقوا وأحسنوا) فتفيد تأكيدا لفظيا لجملة (ثم اتقوا). وتفيد الارتقاء في التقوى بدلالة حرف (ثم) على التراخي الرتبي. مع زيادة صفة الإحسان. وقد فسر النبي صلى الله عليه و سلم الإحسان بقوله (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك). وهذا يتضمن الإيمان لا محالة فلذلك استغني عن إعادة (وآمنوا) هنا. ويشمل فعل (وأحسنوا) الإحسان إلى المسلمين وهو زائد على التقوى لأن منه إحسانا غير واجب وهو مما يجلب مرضاة الله ولذلك ذيله بقوله (والله يحب المحسنين)
وقد ذهب المفسرون في تأويل التكرير الواقع في هذه الآية طرائق مختلفة لا دلائل عليها في نظم الآية ومرجعها جعل التكرير في قوله (ثم اتقوا) على معنى تغاير التقوى والإيمان باختلاف الزمان أو باختلاف الأحوال
وذهب بعضهم في تأويل قوله تعالى (إذا ما اتقوا) وما عطف عليه إلى وجوه نشأت عن حمله على معنى التقييد لنفي الجناح بحصول المشروط. وفي جلبها طول
وقد تقدم أن بعضا من السلف تأول هذه الآية على معنى الرخصة في شرب الخمر لمن اتقى الله فيما عد ولم يكن الخمر وسيلة له إلى المحرمات ولا إلى إضرار الناس. وينسب هذا إلى قدامة بن مظعون كما تقدم في تفسير آية تحريم الخمر: وأن عمر بن ا لخطاب وعلي بن أبي طالب لم يقبلاه منه

انتهى الاقتباس
ارجو ان تجد فيه مرادك نفعك الله ونفع بك
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير