تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذه الحالة تنطبق على الساحر انطباقا كليا، فالساحر يستمتع بالجني المصاحب له، والجني يستمتع بالساحر، وهذه الحال ثابتة لعموم السحرة، فمن قرر جواز الذهاب إليهم بحجة الاستشفاء فإنه في الحقيقة متعاون معهم في هذا الاستمتاع، فهو في الحقيقة يقرر جواز ما أثبت القرآن أنه من الأسباب لدخول النار، وتجويز الذهاب للسحرة إقرار لبقاء هذا الاستمتاع الكفري، وسيكون مآل صاحبه إلى النار إن لم يتداركه الله تعالى برحمة منه وفضل، فلما كان أصل مبنى العلاقة بين الساحر والشياطين التي معه هي تبادل الاستمتاع الذي نص القرآن على أنه من أسباب النار صار الذهاب لهم من المحرمات لأن المتقرر أن الشريعة إذا نهت عن شيء، فإنه يعتبر نهي عنه بالأصالة، ويتضمن النهي عن كل وسائله وذرائعه التي تفضي إليه والمتقرر أن مما يعرف به النهي عن الشيء تقرر العقوبة عليه في الآخرة كما هي الحال هنا.

ومن الأدلة أيضا:- قوله تعالى} وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى {فقوله (الساحر) اسم مفرد دخلت عليه الألف واللام، والمتقرر أن الألف واللام إن دخلت على المفرد فإنها تكسبه العموم فيدخل في ذلك كل السحرة، وهذه الآية وإن وردت على سبب خاص، إلا أن المتقرر في القواعد أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وقوله (لا يفلح) نفي للفلاح على وجه الإطلاق والمتقرر في القواعد أن الأصل بقاء المطلق على إطلاقه ولا يقيد إلا بدليل، وهذا يفيدك أنه لا فلاح لهؤلاء، لا في الدنيا ولا في الآخرة، وهذا والله هو الحق الذي لا خلف فيه، فإنك لو رأيت الساحر ذي الثياب الرثة، لا يعقد سحره إلا في أخس الأماكن التي لا تدخلها الكلاب، ولا ترتاح روحه الشيطانية إلا بالتلوث بأخبث الروائح، والغالب فيهم الفقر والقهر والعذاب والنكد في معيشتهم لا في بيوتهم ولا في مكان عملهم، ولا في أي مكان توجهوا له، فالشياطين تؤزهم أزا وتقهرهم قهرا، وتأمرهم بالأفعال التي لا تليق بالبهائم فضلا عن العقلاء من بني آدم، والغالب أنهم في المجتمع هم المطرودون المبعدون، فأي فلاح لهذه الطائفة القذرة، وأي خير يرجى من وراء من هذه حاله، فكيف نجيز أن تطرق أبوابهم طلبا للفلاح بالشفاء، وهم لا فلاح عندهم أصلا بنص القرآن، والمتقرر أن فاقد الشيء لا يعطيه، ومن المعلوم أن الطبيب إن كان جيدا في طبه خبيرا في مجال عمله فإنه يقال له (هذا مفلح في طبه ومجال عمله) وأما الساحر فقد نفى الله عنه الفلاح والشفاء من المرض نوع فلاح، فإن كان الساحر ممن نفى الله عنه الفلاح، فكيف يرجى منه أن يكون سببا في الشفاء؟ هذا لا يكون أبدا، فهذه الآية فيها دليل على تحريم الذهاب للسحرة لطلب الشفاء، لأن الشفاء نوع فلاح، والفلاح منفي عنهم، والأصل بقاء الإطلاق على إطلاقه حتى يرد المقيد، بل هذا النفي مؤكد بقوله تعالى (حيث أتى) أي كيفما كان، وكيفما فعل، وكيفما نوى فهو لا فلاح فيه، ولا منه، والله المستعان.

ومن الأدلة أيضا:- قوله تعالى} وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ {والمتقرر أن الجمع إن دخلت عليه الألف واللام الاستغراقية فإنها تكسبه العموم، فيدخل فيه كل السحرة , والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالفلاح منفي عنهم، وهو نفي مطلق، والأصل بقاء المطلق على إطلاقه ولا يقيد إلا بدليل، فيدخل فيه نفي الفلاح في الدنيا والآخرة، فمن نفي عنه الفلاح بهذه الصورة، فبالله عليك كيف نقول للمسلمين:- يجوز الذهاب له لطلب العافية بسببه، كيف نعلق قلوب المسلمين بمن هذه صفته شرعا؟ ألا إن تجويز الذهاب إلى هذه الطائفة الفاسدة خطأ ظاهر، وإن قال به من قاله.

ومن الأدلة أيضا:- قوله تعالى} وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ ... الآية {وهي دالة على منع إتيان السحرة من عدة وجوه:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير