تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مناسبتها لكتاب التوحيد؛ لأن كثيرين ممن يستعملون النشرة يشركون بالله جل وعلا. والنشرة قسمان: نشرة جائزة، ونشرة ممنوعة. فالنشرة الجائزة: هي ما كانت بالقرآن، أو بالأدعية المعروفة، أو بالأدوية عند الأطباء، ونحو ذلك، فإن السحر يكون عن طريق الجن -كما تقدم- ويحصل منه -حقيقةً- إمراض في البدن، وتغيير في العقل والفهم، وإذا كان الأمر كذلك، فإنه يُعالج بالمضادات التي تزيل ذلك السحر، فمما يزيله القرآن الكريم، والقرآن هو أعظم ما ينفع في إزالة السحر، وكذلك الأدعية، والأوراد، ونحو ذلك مما هو معروف من الرقى الشرعية) وقال حفظه الله تعالى في بيان قول ابن المسيب (يريد ابن المسيب بذلك ما ينفع من النشرة بالتعوذات، والأدعية، والقرآن، والدواء المباح، ونحو ذلك، أما النشرة التي هي بالسحر فابن المسيب أرفع من أن يقول إنها جائزة، ولم ينه عنها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول «هي من عمل الشيطان» لهذا قال " لا بأس به إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع فلم ينه عنه " يعني: من الأدوية المباحة، ومن الرقى، والتعوذات الشرعية، وقراءة القرآن، ونحو ذلك، فهذا لم ينه عنه، بل أذن فيه) وقال الشيخ عبدالرحمن بن حسن رحمه الله تعالى (قلت: قول العلامة ابن القيم والثاني النشرة بالرقية والتعوذات والدعوات والأدوية المباحة فهو جائز يشير رحمه الله إلى مثل هذا وعليه يحمل كلام من أجاز النشرة من العلماء، والحاصل: أن ما كان منه بالسحر فيحرم وما كان بالقرآن والدعوات والأدوية المباحة فجائز) فانظر كيف حمل الشيخ رحمه الله تعالى كلام من أجاز النشرة من العلماء على النشرة الشرعية لا النشرة الشيطانية، ففي الحقيق إن كلام ابن المسيب وكلام الحسن فيه رد على من قال بجواز الذهاب إلى السحرة والكهان.

ومما قالوه أيضا:- إن حل السحر بالسحر قد تدعو إليه الضرورة، ونقول:- إن بعض العلماء من أتباع المذاهب يرى جواز حل السحر بمثله إذا كان للضرورة، كما قال فقهاء مذهب الإمام أحمد في بعض كتبهم (ويجوز حل سحر بمثله ضرورة) وهذا القول ليس بصواب، بل هو غلط؛ لأن الضرورة لا تكون جائزة ببذل الدين والتوحيد عوضا عنها، ومعروف أن الضروريات الخمس التي جاءت بها الشرائع أولها: حفظ الدين، وغيره أدنى منه مرتبة - ولا شك - فلا يبذل ما هو أعلى لتحصيل ما هو أدنى، وضرورة الحفاظ على النفس وإن كانت من الضروريات الخمس، لكنها دون حفظ الدين مرتبة؛ ولهذا لا يقدم ما هو أدنى على ما هو أعلى، أو أن يبذل ما هو أعلى لتحصيل ما هو أدنى من الضروريات الخمس، والأنفس لا يجوز حفظها بالشرك، ولأن يموت المرء وهو على التوحيد خير له من أن يعافى وقد أشرك بالله - جل وعلا- لأن السحر لا يكون إلا بشرك، والذي يأتي الساحر ويطلب منه حل السحر، فقد رضي قوله وعمله، ورضي أن يعمل به ذاك، ورضي أن يشرك ذاك بالله لأجل منفعته، وهذا غير جائز، فتحصل من هذا أن السحر نشرا ووقوعا لا يكون إلا بالشرك الأكبر بالله - جل وعلا- وعليه فلا يجوز أن يحل لا من جهة الضرورة، ولا من جهة غير الضرورة من باب أولى بسحر مثله، بل يحل وينشر بالرقى الشرعية بل إن المتقرر أن الضرورة لا تتحقق إلا إن انسد الباب في وجه العبد الانسداد الكامل فلم يجد بدا ولا مساغا من تعاطي هذا الأمر، وأنت خبير في أن حل السحر له بابه المفتوح شرعا، وذلك يكون باستخراج السحر وإبطاله، أو بالرقى الشرعية وبكثرة الدعاء، أو بالحجامة في موضع الألم فلا تدعو الحاجة أصلا إلى الذهاب إلى الطرق المحرمة، فضلا عن دعوى الضرورة، فالطرق الشرعية بابها مفتوح، لكنها تحتاج إلى طول نفس وصبر وحسن ظن بالله تعالى وكمال توكل عليه فالله تعالى لم يحوجنا في أمور علاجنا إلى طرق الأبواب المحرمة، بل قد فتح لنا من أبواب العلاج النافع، والدواء الشافي ما فيه الغنية الكاملة عن التقحم فيما يعود على العبد ضرره في العاجل والآجل، فدعوى الضرورة إلى الذهاب للساحر دعوى فجة، لا يسندها دليل النقل ولا دليل الواقع، ولله الحمد، مع أن ابن تيمية وغيره من علماء التحقيق قد قرروا أن الأمور العلاجية لا تدخل في باب الضرورات، مهما كان علاجها نافعا، والله أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير