تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما تخصيص المعية بالمحسنين ونحوها، فهي معية أخص من المعية العامة، تتضمن محبتهم وتوفيقهم، وكلاءتهم، وإعانتهم في كل أحوالهم، فحيث وقعت في سياق المدح والثناء فهي من هذا النوع، وحيث وقعت في سياق التحذير والترغيب والترهيب فهي من النوع الأول.

ومن ذلك: النهي في كثير من الآيات عن موالاة الكافرين وعن مُوادَّتهم والاتصال بهم، وفي بعضها الأمر بالإحسان إلى من له حق على الإنسان منهم، ومصاحبته بالمعروف، كالوالدين والجار ونحوهم.

فهذه الآيات العامات من الطرفين، قد وضحها الله غاية التوضيح في قوله {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة: 8، 9]

فالنهي واقع على التولي والمحبة لأجل الدين، والأمر بالإحسان والبر واقع على الإحسان لأجل القرابة أو لأجل الجيرة أو الإنسانية على وجه لا يُخل بدين الإنسان.

ومن ذلك: أنه أخبر في بعض الآيات أن الله خلق الأرض ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات، وفي بعضها أنه لما أخبر عن خلق السماوات أخبر أن الأرض بعد ذلك دحاها.

فهذه الآية تفسر المراد، وأن خلق الأرض متقدم على خلق السماوات، ثم لما خلق الله السماوات بعد ذلك دحا الأرض، فأودع فيها مصالحها المحتاج إليها سكانها.

ومن ذلك: أنه تارة يخبر أنه بكل شيء عليم، وتارة يخبر بتعلق علمه ببعض أعمال العباد وببعض أحوالهم، وهذا الأخير فيه زيادة معنى، وهو يدل على المجازاة على ذلك العمل، سواء كان خيراً أو شراً، فيتضمن مع إحاطة علمه الترغيب والترهيب.

ومن ذلك: الأمر بالجهاد في آيات كثيرة، وفي بعض الآيات الأمر بكف الأيدي، والإخلاد إلى السكون، فهذه حين كان المسلمون ليس لهم قوة، ولا قدرة على الجهاد باليد، والآيات الأخرى حين قووا وصار ذلك عين المصلحة؛ والطريق إلى قمع الأعداء.

ومن ذلك: أنه تارة يضيف الأشياء إلى أسبابها التي وقعت وتقع بها، وتارة يضيفها إلى عموم قدره، وأن جميع الأشياء واقعة بإرادته ومشيئته، فيفيد مجموع الأمرين إثبات التو حيد، وتفرد الباري بإيقاع الأشياء بقدرته ومشيئته، وإثبات الأسباب والمسببَّات، والأمرَ بالمحبوب منها، والنهي عن المكروه، وإباحةَ مستوى الطرفين فيستفيد المؤمن الجد والاجتهاد في الأخذ بالأسباب النافعة وتدقيق النظر وملاحظة فضل الله في كل أحواله، وأن لا يتكل على نفسه في أمر من الأمور بل يتكل على الله ويستعين بربه.

وقد يخبر أن ما أصاب العبد من حسنة فمن الله، وما أصاب من سيئة فمن نفسه، ليعرف عباده أن الخير والحسنات والمحاب تقع بمحض فضله وجوده، وإن جرت ببعض الأسباب الواقعة من العباد، فإنه هو الذي أنعم بالأسباب وهو الذي يسرها، وأن السيئات وهي المصائب التي تصيب العبد فإنما أسبابها من نفس العبد، وبتقصيره في حقوق ربه، وتعديه لحدوده، فالله وإن كان هو المقدر لها. فإنه قد أجراها على العبد بما كسبت يداه، ولهذا أمثلة يطول عدها.

القاعدة العشرون

القرآن كله محكم باعتبار، وكله متشابه باعتبار

وبعضه محكم وبعضه متشابه باعتبار ثالث

وقد وصفه الله تعالى بكل واحدة من هذه الأوصاف الثلاث.

فوصفه بأنه محكم في عدة آيات، وأنه: {أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود: 1] ومعنى ذلك أنه في غاية الإحكام ونهاية الانتظام، فأخباره كلها حق وصدق، لا تناقض فيها ولااختلاف، وأوامره كلها خير وبركة وصلاح، ونواهيه متعلقة بالشرور والأضرار والأخلاق الرذيلة والأعمال السيئة فهذا إحكامه.

ووصفه بأنه متشابه في قوله من سورة الزمر: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً} [الزمر: 23] أي: متشابها في الحسن والصدق والحق، ووروده بالمعاني النافعة المزكية للعقول، المطهرة للقلوب، المُصلحة للأحوال، فألفاظه أحسن الألفاظ ومعانيه أحسن المعاني.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير