تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

رَوَى المفسرون في سبب نزول هذه الآية الكريمة أن الحُرَّة والأَمَة كانتا تخرجان ليلا لقضاء الحاجة في الغيطان وبين النخيل من غير تمييز بين الحرائر والإماء وكان في المدينة فُسَّاق، لا يزالون على عادتهم في الجاهلية يتعرّضون للإماء وربما تعرّضوا للحرائر، فإذا قيل لهم يقولون: حَسِبْنِاُهَّن إماءً، فأُمِرَت الحرائر أن يخالفن الإماء في الزيّ فيستترن ليحتشمن ويُهَبْنَ فلا يطمع فيهن ذوو القلوب المريضة.

وقال ابن الجوزيّ [3]:" سبب نزولها أنَّ الفسّاق كانوا يؤذون النساء إذا خرجن بالليل فإذا رأوا المرأة عليها قناع تركوها وقالوا هذه حرّة، فإذا رأوها بغير قناع قالوا: أمة فآذوها فنزلت الآية قاله السُّدي ".

فلا يستلزم من قوله تعالى يدنين عليهن من جلابيبهن ستر الوجه لغةً وشرعاً، ولم يرِد باستلزام ذلك دليل من كتاب ولا سنة ولا إجماع وما جاء عن بعض المفسرين مثل ابن عباس رضي الله عنه فإنه معارَضٌ بما جاء عنه أيضا في تفسيره الآية:" إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا" وكذلك يعارِضُه ما ورد عن الصحابة في تفسير معنى الحجاب وما حدث في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من وقائع تدل على عدم وجوب ستر الوجه.

· وأما من استدل على وجوب النقاب بالآية:

" وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ " [4]

وسبب نزول [5] هذا الآية أن الصحابة كانوا يدخلون على بيوتات النبي صلى الله عليه وآله وسلم من غير استِئْذان وكان صلى الله عليه وآله وسلم يتأذى من ذلك وهذه الآية لا يصح الاستدلال بها على الحجاب الذي هو غطاء الرأس أو النقاب الذي هو غطاء الوجه لأن الحجاب المقصود في الآية هو الستر وهذا لما رواه الطبري في تفسيره عند قوله فاسألوهن من وراء حجاب يقول: "وراء ستر بينكم وبينهن، لأن سؤالكم إياهن المتاع إذا سألتموهن ذلك من وراء حجاب أطهر لقلوبكم وقلوبهن" فالاستدلال بهذه الآية على وجوب النقاب ليس له وجه من الوجوه، ناهيك على أن هذا الخطاب خاص بزوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

ومن الأدلة التي استدل بها من قال بوجوب النقاب الحديث الذي رواه البخاري:" لا تَنْتَقِبُ المرأة المُحرِمة ولا تلبس القفازين " حيث قالوا: أن مفهوم الحديث يدل على لبس النقاب والقفازين في غير الحج. وهذا غير صحيح لأن كثيراً من الفقهاء استدلُّوا بهذا الحديث على أن الوجه واليدين ليسا بعورة وهي دلالة منطوق وما احتجوا به هو دلالة مفهوم وقد اتفق كل علماء أصول الفقه على أن دلالة المنطوق تقدم على دلالة المفهوم وإلا لما أوجِبَ كشفُهُما ويدل هذا الحديث على أن النقاب والقفازين كانا معروفين عند بعض النساء اختياراً منهن فبيَّنَتِ السنة أن إحرامهن في كشف وجوههن.

وأما الذين قالوا بأن الوجه والكفين ليسا بعورة فهو الذي تؤيده الأدلة من الكتاب والسنة وجاء الإجماع موافقا لذلك كما سيأتي بيانه.

فصل

الحجاب في كتاب الله عز وجل

يقول المولى عز وجل:" وَقُل لِّْلمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ .... " [6] فقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن عائشة رضي الله عنها أنهما فسرا قوله تعالى:" وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا " بالوجه والكفين ذكره الشيخ زكريا الأنصاري [7] وابن حجر الهيتمي [8]

وذكر ابن كثير في تفسيره عند قوله تعالى:" وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا " (أي لا يُظْهِرْنَ شيئا من الزينة للأجانب إلا ما لا يمكن إخفاءه قال ابن مسعود: كالرداء والثياب، يعني على ما كان يتعاطاه نساء العرب من المُقنعة التي تجلل ثيابها وما يبدو من أسافل الثياب فلا حرج عليها فيه لأن هذا لا يمكن إخفاءه ونظيره في زي النساء ما يظهر من إزارها وما لا يمكن إخفاؤه وقال بقول ابن مسعود الحسن وابن سيرين وأبو الجوزاء وإبراهيم النخعي وغيرهم وقال الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما:" وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا " قال: وجهها وكفيها والخاتم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير