من المعلوم بداهة أنَّ العورة حكم فقهي لا يؤخذ من كتب التفسير والحديث وإنما بالرجوع إلى أقوال أئمة الفقه، لأن الفقه هو محصلة هذه الأحاديث والأخبار وعصارة الاستنباطات وأجمع فقهاء الأمة وأئمة الإسلام على أن ستر العورة شرط من شروط صحة الصلاة فمن أظهر عورته عامداً عارفاً بالحكم غير ناسٍ في صلاته فصلاته باطلة وهذا ما قاله الأئمة في عورة المرأة.
قال السادة الشافعية [35]:" وعورة المرأة الحرة كلُّ بدنها إلا الوجهَ والكفين ظهراً وبطناً إلى الكوعين لقوله تعالى:" ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها " وهو مُفَسَّر بالوجه والكفين إنما لم يكونا عورة لأن الحاجة تدعو إلى إبرازهما "
قال الإمام النووي في روضة الطالبين ما نصه [36]: "وأما المرأة فإن كانت حرة فجميع بدنها عورة إلا الوجه والكفين ظهرهما وبطنهما إلى الكوعين" ا. هـ والكوع هو طرف الزند الذي يلي الإبهام.
ونقل شمس الدين الرملي [37] عن ابن عباس وعائشة قال في قوله تعالى:" ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها " الوجه والكفّان أ. هـ
قال السادة المالكية [38]: ويجوز النظر إلى الوجه والكفين ولا فرق بين ظاهرهما وباطنهما بغير قصد لذة ولا وجدانها وإلا حَرُم "
وقال السادة الأحناف [39]: وبدن المرأة كله عورة إلا وجهها وكفيها باطنهما وظاهرهما على الأصح كما في شرح المنيه، وفي الهداية وهذا تنصيص على أن القدم عورة ويُرْوَى أنها ليست بعورة وهو الأصح "
قال السادة الحنابلة [40]:" كل الحرة عورة إلا وجهها ".
قال الشيخ منصور البُهوتي الحنبلي [41]:" وتُكره صلاتها في نقاب وبرقع لأنه يخل بمباشرة المصلي بالجبهة والأنف، ويغطي الفم [42] لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " نهى عن السدل في الصلاة وأن يغطيَ الرجل فاه ".
قال الشيخ العلامة محمد المنتصر الكتاني [43]:" والمرأة كلها عورة ما عدا وجهها وكفيها وتصلى المرأة في خمار [44] ودرع سابغ وهو قول على بن أبي طالب وابن عباس وعائشة وأمِّ سلمة وقال مجاهد أيُّما امرأة صلت لم تغطِّ شعرها لم يقبل الله لها صلاة وقال عطاء تقنع الأمة رأسها قال سليمان بن موسى: إذا حاضت المرأة لم تقبل لها صلاة حتى تختمر وتواري رأسها، وقال عطاء: إذا صَلَّت الأمَةُ غَطَّت رأسها وغطته بخرقة أو خمار وكذلك كُنَّ يضَعْن على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكان الحسن يأمر الأمَة إذا تزوجت عبداً أو حراً أن تختمر وحجته قوله تعالى" وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ... " قال ابن عباس: الكف والخاتم والوجه، وقال ابن عمر الوجه والكفان، وعن أنس الكف والخاتم وكل هذا في غاية الصحة وكذلك عن عائشة رضي الله عنها وغيرها من التابعين. أ. هـ
فصل
الإجماع على أن الوجه والكفين ليسا بعورة
وجاء الإجماع عن أئمة الهدى والدين من حنفية ومالكية وشافعية وحنابلة ممن يُعْتَدُّ بإجماعهم أنَّ الوجه والكفين ليسا بعورة ونَقل هذا الإجماعَ ابن حجر الهيتمي في كتابه الفتاوى الكبرى وحاشية شرح الإيضاح على مناسك الحج للنووي فقال [45] "وحاصل مذهبنا أن إمام الحرمين نقل الإجماع على جواز خروج المرأة سافرة الوجه وعلى الرجال غض البصر"ا. هـ
وقال في حاشية شرح الإيضاح [46]:" أنه يجوز لها كشف وجهها إجماعا وعلى الرجال غض البصر، ولا ينافيه الإجماع على أنها تؤمر بستره لأنه لا يلزم من أمرها بذلك للمصلحة العامة وجوبه " أ. هـ
وقال في موضع آخر في نفس الكتاب: " قوله أي النووي: إذا احتاجت المرأة إلى ستر وجهها، ينبغي أن يكون من حاجتها ذلك، إذا خافت من نظرٍ إليها يجر لفتنة، وإن قلنا لا يجب عليها ستر وجهها في الطرقات كما هو مقرر في محله ".
فائدة:-
يجوز للمرأة المسلمة أن تتدواى على يد رجل مع وجود مَحْرَم ولو مع وجود طبيبة مسلمة وذلك لما رواه مسلم عن جابر بن عبد الله أن أم سلمة رضي الله عنها استأذنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحجامة فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبا طيبة أن يَحْجُمَها.
يجوز للمرأة أنْ تقص شعرها وتجمِّله وذلك لحديث عائشة رضي الله عنها قالت:" كن زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحلقن رؤوسهن إلى الوفرة – أي إلى شحمة الأذن – " رواه مسلم.
الخلاصة:-
¥