ـ[أبو حاتم يوسف حميتو المالكي]ــــــــ[30 - 10 - 09, 12:16 ص]ـ
التعريف بما جرى به العمل:
يقصد بما جرى به العمل الأخذ بقول ضعيف أو شاذ، في مقابل الراجح، أو المشهور لمصلحة أو ضرورة، أو غير ذلك، أو هو اختيار قول ضعيف، والحكم والإفتاء به، وعمل القضاة والمفتين به لسبب يقتضي ذلك (1) (العرف والعمل في المذهب المالكي للدكتور عمر بن عبد الكريم الجيدي رحمه الله).
إذن ما جرى به العمل هو صنف من أصناف الإجتهاد المذهبي، فهو مبني على قول ضعيف من مفت أو مجتهد أهل لذلك اختاره مجتهد أو مفت آخر في مقابل قول راجح أو مشهور مع النظر إلى الأدلة التي تقويه، يقول الإمام محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي:" وهذا مبني على أصول في المذهب المالكي، فإذا كان العمل بالضعيف لدرء مفسدة فهو على أصل مالك في سد الذرائع، أو جلب مصلحة فهو على أصله في المصالح المرسلة ... فإذا زال الموجب عاد الحكم للمشهور، لأن الحكم بالراجح، ثم المشهور واجب .... وعليه فالعمل لا يعتمد إلا إذا جرى بقول راجح، أو من قاض مجتهد الفتوى بين وجه ترجيح ما عمل به، لأن المجتهد هو الذي يقدر على تمييز ما هو مصلحة، وما هو مفسدة، أو ذريعة إليها، ويميز ما هو في رتبة الضروريات، والحاجيات، وما هو في رتبة التحسينات ... وعلى كل حال لا يقدر على نقد مثل هذا إلا من بلغ رتبة الإجتهاد المذهبي، أما من لم يبلغها، فليس له رخصة في أن يترك المشهور إلى الشاذ في الفتوى والحكم أصلا فالباب دونه مسدود " (2) الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي 2/ 406.
وفي واقع الأمر أنه لما أقفل باب الإجتهاد سدا لذريعة من قد يدعيه دون أن يكون من أهله، فتح فقهاء المالكية بابا آخر له عن طريق ما جرى به العمل حين طرأت نوازل ووقائع، واستجدت أمور كان لا بد من مواجهتها بالنظر في المذهب إلى أقوال مهجورة، وآراء منثورة لتصبح لها حظ من النظر بعد تقويتها بأدلة وأصول. (3) أصول الفتوى والقضاء في المذهب المالكي للدكتور محمد رياض ص: 514 ..
يقول الشيخ الحجوي: " فعلم أن القاضي أو المفتي لا يجوز له الإسترسال في الإفتاء بما به العمل، ويظن أنه حكم مؤبد بل هو مؤقت، ما دامت المصلحة أو المفسدة التي لأجلها خولف المشهور، فإذا ذهبت رجع الحكم للمشهور " (4) الفكر السامي: 2/ 410 ..
1 - مستند ما جرى به العمل:
ما جرى به العمل اختيار، ليس مستنده ميل النفس أو مجرد اتباع الهوى، بل له مستند شرعي، وقد ذهب الفقهاء إلى أن هذه القاعدة لا يشترط فيها الإستناد إلى دليل خاص، بل إن مجرد قيامه على دعامة روح الشريعة ومقاصدها وقوانينها والتي هي بمثابة الدليل العام (5) حاشية أبي الشتاء الصنهاجي على شرح التاودي للامية الزقاق 2/ 265 .. فما لم تكن هذه القاعدة المذهبية معارضة لنص شرعي، أو مصلحة، ولم يكن هناك ما يعارضها من الراجح عليها أو المعارض المساوي لها كما ذكر الهلالي في شرح خطبة المختصر، فليس هناك ما يمنع من اعتمادها في الفتوى والقضاء (6) شرح السجلماسي على العمل الفاسي 1/ 87.
2 - شروط ما جرى به العمل::
أجمل الشيخ ميارة رحمه الله هذه الشروط فيما يلي:
* أن يكون العمل صدر من العلماء المقتدى بهم.
* أن يثبت بشهادة العدول المتثبتين في المسائل.
* أن يكون جاريا على قوانين الشرع وإن كان شاذا. (7) حاشية المهدي الوزاني على شرح التاودي على لامية الزَّقَّاق: 337.
وتناول هذه الشروط بتفصيل الشيخ أبو العباس أحمد الهلالي بقوله:" إنه يشترط لتقديم ما به العمل خمسة امور: أحدها: ثبوت جريان العمل بذلك القول، ثانيها: معرفة محلية جريانه عاما أو خاصا من البلدان، ثالثها معرفة كون من أجرى ذلك العمل من الأئمة المقتدى بهم في الترجيح، خامسها: معرفة السبب الذي لأجله عدلو عن المشهور إلى مقابله " (8) شرح خطبة المختصر: 131، وانظر تفصيل ذلك في كتاب أصول الفتوى والقضاء للدكتور محمد رياض: 517 ..
3 - بين ما جرى به العمل وعمل أهل المدينة:
هناك أوجه شبه بينهما:
* كان مالك رحمه الله إذا تعارضت لديه الأدلة أخذ بما صحبه عمل أهل المدينة، فالفقهاء قاسوا هذا على هذا وقالوا: إذا تعارضت الأقوال يوخذ بما صحبه عمل الفقهاء في البلد الذي جرى به العمل.
* أن من شروط عمل أهل المدينة استمرار العمل به من طرف أكثر الناس بمن فيهم فقهاء التابعين، واٌستمرار أحد عناصر العرف، وكذلك عمل الفقهاء كثيرا ما يعتمد على العرف.
* أكثر عمل أهل المدينة يكون من أقضية وفتاوى الصحابة والتابعين، وهؤلاء أدرى بفهم النص وتطبيقه، وكذلك عمل الفقهاء يكون من أقضية وفتاوى العلماء ذوي أهلية الترجيح. (9) نظرية الأخذ بما جرى به العمل للدكتور عبد السلام العسري: 183 ..
4 - أنواع ما جرى به العمل:
* العمل الخاص: ويتعلق بالأحكام التي تراعى فيها البيئة المكانية أي يكون مستندها هو العرف، فلا تطبق هذه الأحكام إلا في هذه البلدة التي جرى فيها ذلك العرف كعمل قرطبة وعمل فاس وعمل أهل تونس.
* العمل المطلق: لا يختص ببلدة واحدة لأنه في الغالب لا يرتبط بالعرف الخاص بل يكون اساسه العرف العام، أو تبدل المصالح والعلل، أو فساد الزمان أو تطور الأوضاع العامة.
وقبل الختام، أشير إلى أن ما جرى به العمل نشأ وترعرع في الغرب الإسلامي بما فيه الأندلس والمغرب، وعرف عدة تطبيقات عملية بخلاف المشرق، ويمكن تبرير ذلك بغلبة المذهب المالكي في المغرب وضعفه في اتلمشرق، وغلبة المذهب تعني اعتماده في الفتوى والقضاء.
أخي الكريم، إن الكريم من تجاوز عن أخيه سقطه وزله، وغفر له عجزه وجهله، فإن كنت وفيت ببعض الذي لك علي فذاك ما أردت، وإن لم يكن فحسبي أني قد حاولت ونقلت إليك ما رأيت وقرأت.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
¥