وليعلم أن الخلاف بين الفقهاء قد يقع بين المذاهب، وهو المعبر عنه بالخلاف الكبير، أو التعليق الكبير، أو الخلافيات، أو الخلاف العالي، أو الفقه المقارن كما في اصطلاح كثير من أهل العلم، وقد يقع هذا الخلاف داخل المذهب الواحد، وهو المعبر عنه بالخلاف المذهبي، أو الصغير، ومن هذه المذاهب المعتبرة التي جرى بين أصحابها هذا الخلاف الأخير: المذهب المالكي، حيث بسط علماؤه ذلك كثيرا إما ضمن كتبهم الفقهية، أو في تآليف خاصة مفردة، فالمذهب المالكي غني بأقوال إمامه، واجتهادات أصحابه.
حكى البقاعي رحمه الله عن شرف الدين يحيى الكندي المالكي رحمه الله أنه سئل: "ما لمذهبكم كثير الخلاف؟ قال: لكثرة نظاره في زمن إمامه" نيل الابتهاج للتنبكني رحمه الله 358،
ولا عجب فقد نقل عن الإمام مالك رحمه الله إلى العراق نحو سبعين ألف مسألة، فاختلف الناس في مذهبه، لاختلاف نشرها في الآفاق.
قال شيوخ البغداديين: هذا غير ما زاد علينا أهل الحجاز ومصر والمغرب.
أنظرالمعيار للونشريسي المالكي رحمه الله 1/ 211، وانظر الاختلاف الفقهي في المذهب المالكي 6_7، والمدخل المفصل للشيخ بكر رحمه الله 1/ 16.
ومن المؤلفات في الخلاف المذهبي المالكي ضمن الكتب الفقهية أو في كتب خاصة بذلك ما يأتي:
- اختلاف ابن القاسم وأشهب ليحيى بن عمر الكناني رحمه الله،
- و المبسوطة في اختلاف أصحاب مالك وأقواله ليحيى بن إسحاق بن يحيى الليثي الأندلسي رحمه الله
-الاتفاق والاختلاف في مذهب مالك لمحمد بن الحارث الخشني رحمه الله
-واختلاف أقوال مالك وأصحابه لأبي عمر بن عبد البر رحمه الله،
- ومسائل الخلاف لمحمد بن أحمد بن عبد الله بن بكير رحمه الله،
وبالعنوان نفسه لمحمد بن أحمد المعروف بابن الوراق رحمه الله،
والمعتمد في الخلاف لأبي سعيد أحمد القزويني رحمه الله،
والتعليقة على مسائل الخلاف لأبي بكر الطرطوشي المالكي رحمه الله،
والإنصاف في مسائل الخلاف لمحمد بن عبد الله بن العربي رحمه الله،
الخلاف العالي في المذهب المالكي تاريخه واتجاهاته المنهجية لمحمد العلمي،
ودليل الرفاق على شمس الاتفاق لماء العينين الشنقيطي،
والإشراف على نكت الخلاف للقاضي عبد الوهاب المالكي رحمه الله،
والنوادر والزيادات لابن أبي زيد القيرواني المالكي رحمه الله، قال عن هذا الكتاب ابن خلدون رحمه الله:" جمع ابن أبي زيد جميع ما في الأمهات من المسائل والخلاف والأقوال في كتاب النوادر، فاشتمل على جميع أقوال المذاهب، وفروع الأمهات كلها في هذا الكتاب " المقدمة 1/ 259.
وشرح التلقين للامام المازري المالكي رحمه الله، قال عنه محققه الشيخ محمد المختار السلامي:" كتاب شرح التلقين كتاب مفرد في طريقته، نوه به أهل عصره وعرف بمنزلته في الفقه المالكي حذاق المذهب وأئمته " 1/ 5_6.
وعيون الأدلة في مسائل الخلاف بين فقهاء الأمصار للحافظ الامام عمر بن أحمد البغدادي المالكي المعروف بابن القصار رحمه الله، قال عنه ابن فرحون المالكي رحمه الله:" لا يعرف للمالكيين كتاب في الخلاف أكبر منه " الديباج المذهب 2/ 100، وانظر اصطلاح المذهب عند المالكية 250.
إذن لا مناص لمن أراد تحقيق الأقوال في المذهب الواحد خاصة من معرفة الخلاف فيه، فالجاهل بذلك لا يعرف فضل ما يصير إليه على ما يترك، ولا يؤمن عليه أن يفرض الخلاف في محل الوفاق، فيخرق الاتفاق في ذلك المذهب، أو يفرض الوفاق في محل النزاع، فيضيق كثيرا مما حقه الاتساع.
يقول الإمام الشاطبي المالكي رحمه الله:" نقل الخلاف في مسألة لا اختلاف فيها في الحقيقة: خطأ كما أن نقل الاتفاق في موضع الخلاف لا يصح" الموافقات 4/ 214.
ومما لا شك فيه كذلك أن معرف الخلاف في المذهب خاصة تعين الناظر على الكشف على الحق فيه، وفحص أساليب الاستدلال، لأن الذي ينظر إلى الأمر من كل وجوهه يكون أقدر على الحكم فيه بالصواب أو الخطأ.
إلا أن معرفة الخلاف لا بد أن يراعى فيها جملة من الضوابط التي تضبط للمرء نظره في الفقهيات كشف عنها أهل العلم رحمهم الله ومنهم أرباب المذهب المالكي وأهم ذلك:
أولا: تحرير محل الخلاف ومجاله:
¥