[بيع العربون: دراسة وموازنة]
ـ[أبو عبد الله يربح]ــــــــ[30 - 10 - 09, 10:09 ص]ـ
[بيع العربون: دراسة وموازنة]
للشيخ محمد بن مكي ( http://www.rayatalislah.com/kouttab/sheykh-ben-mekki.htm)
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
أمّا بعد فإنّ المتأمّل لأسرار الشريعة الإسلاميّة ومقاصدها تظهر له حكمة الله في تشريعاته فيلمس العدل والقسط سواء في التي تتعلّق فيما بينه وبين ربّه أو بينه وبين غيره من بني البشر أو بينه وبين نفسه.
وهذا ظاهر في قوله تعالى: ?لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ? [الحديد:25].
فالمشتغل في حقل الشريعة الإسلاميّة والمنكبّ على الدراسة والتحليل والبيان والتعليل في فقه المعاملات يتأكد له أصلان اثنان:
الأوّل: بناء هذا الجانب على الإباحة والصحّة والجواز، كما يدلّ عليه قوله تعالى: ?قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ? [الأعراف:32]، وقوله تعالى: ?يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ? [المائدة: 4]، وقوله تعالى: ?قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ ... ? الآية [الأنعام: 145]، وقوله: ?وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ? الآية [الجاثية: 13]، وقوله: ?هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً? [البقرة: 29].
الأصل الثاني: بناء هذه الأحكام على رعاية المصالح ودفع المفاسد، ولهذا حرّم الشارع الغشّ والخداع والربا والغرر والخيانة والجهالة في العقود، ورغّب في إيفاء الكيل والميزان والصدق في البيع.
كما شرع جملة من الخيارات التي تسمح للمتعاقدين بتحقيق مصلحتهما من العقد تكون مقصودة لهم، غير مخالفة لأحكام الشريعة ومقاصده، وذلك لأنّ المتعاقدَيْن قد يحتاجان إلى إبرام شروط تحقّق لهما مصلحة نافعة يريدانِها فتكون قبل الشرط مباحة وبعده واجبة فتكون مقصودة يجب الوفاء بِه، إلاّ أنّ الأصل الأوّل لَمّا كثرت تخصيصاته وجب البحث عن المخصّص والمستثنى قبل الاستدلال به، لاسيما عندما يكثر فيه ذلك كما هي مبسوطة في مباحث العامّ والمطلق في فنّ أصول الفقه.
وأكثر العلماء تصحيحا للشروط الإمامان مالك وأحمد رحمهما الله تعالى إلاّ أنّ أحمد أكثرهما تصحيحا لها. ومن أجل ذلك تفرّد بمسائل كثيرة من هذا الباب، هذا ما قرّره شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: «وعامّة ما يصحّحه أحمد من العقود والشروط فيها يثبته دليل خاصّ من أثر أو قياس لكنّه لا يجعل حجّة الأوّلين مانعا من الصحّة ولا يعارض ذلك بكونه شرطا يخالف مقتضى العقد أو لم يرد به النصّ، وكان قد بلغه في العقود والشروط من الآثار عن النبيّ صلى الله عليه وسلم والصحابة مالا تجده عند غيره من الأئمّة فقال بذلك وبما في معناه قياسا عليه وما اعتمده غيره في إبطال الشروط من نصّ فقد يضعّفه أو يضعّف دلالته، وكذلك قد يضعّف ما اعتمدوه من قياس، وقد يعتمد طائفة من أصحابه عمومات الكتاب والسنّة» اهـ[1] ( http://www.rayatalislah.com/dirassat-wa-bouhouth/articles/bey3-el-orboune.htm#_edn1).
ومن بين هذه المسائل الكثيرة التي تدخل تحت العمومات مسألةُ «بيع العربون»، وهذه المسألة وإن اختلفت فيها آراء المتقدّمين وتباينت أقوالهم حولها إلاّ أنّه في وقتنا الحاضر انتشر هذا النوع من البيع وفشا ولهذا قال مصطفى الزرقا: «ومن المعلوم أنّ طريقة العربون هي وثيقة الارتباط العامّة في التعامل التجاريّ في العصور الحديثة وتعتمدها قوانين التجارة وعرفها وهي أساس لطريقة التعهّد بتعويض ضرر الغير عن التعطّل والانتظار» اهـ[2].
¥