تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

د ـ الإجماع: حيث قالوا حديث المثبت للخيار أعني خيار المجلس هو آحاد أي: من الخبر الواحد لا المتواتر، والعمل مقدّم عليه، فإنّ تكرّر البيع عندهم معروف فعدم العمل بخيار المجلس بين أظهرهم يدلّ على عدم مشروعيته دلالة قاطعة، والقطع مقدّم على الظنّ بل نقلوا إجماع أهل مكّة (1) لأنّ من تقدّم لا يتّهمون بمخالفة هذا الحديث إلاّ أنّهم علموا الناسخ له فتركوه لأجله.

هـ ـ دعوى النسخ: إذ قالوا عن حديث المثبت لخيار المجلس منسوخ بالآية والأحاديث المتقدّمة ولا يجوز العمل بالمنسوخ.

و ـ القياس: إذ قاسوه على النكاح والعتق بجامع المعاوضة فلم يكن للخيار فيهما ذكر ولا أثر.

أجيب: أنّ هذا القياس مخالف للأثر والأصل الحديث لا القياس.

ز ـ أمّا المعقول فمن وجهين:

الوجه الأوّل: قالوا: إنّ مدّة الخيار مجهولة، فقد تفوت السلعة على صاحبها فيحصل بذلك ضرر فلا خيار.

أجيب: أنّ المدّة غير مجهولة بل هي معلومة بالافتراق.

الوجه الثاني: قالوا: إذا صحّ الخيار يتعذّر تولي طرفي العقد كبيع الهرايس وهو طعام سريع الاتلاف فلو صحّ فيه خيار المجلس لفاتت العين المبيعة على المشتري بحيث يتعذّر عليه تولي المعقود عليه أي امتلاك السلعة.

أمّا الطريق الثاني: تأويلهم لحديث المثبت لخيار المجلس.

أ ـ المتبايعان هما المتساومان: وإنّما ذكرهما النبي صلى الله عليه وسلَّم بالمتبايعين هنا مجاز أي تجوّزًا لأنّهما متشاغلان بالبيع وهذا هو حقيقة المساومة وإنّما يوصفان بذلك حقيقة لا مجازًا حتى مباشرة البيع وهذا نظيره في الشرع موجود لقوله صلى الله عليه وسلَّم: «لاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ» يريد والله أعلم لا يسم على سومه وعليه فيكونان بالخيار ما لم يتفرّقا بالقول أعني بالإيجاب والقَبول.

أجيب: أنّ هذا على خلاف الأصل والأصل حمل كلام الشارع على الحقيقة ثمّ إنّ هذا لا وجه له لأنّه لا يكون حينئذٍ في الكلام فائدة لأنّه معقول أنّ كلّ واحد في ماله وسلعته بالخيار قبل السوم، وما دام قبل الشراء متساومًا حتى يمضي البيع ويعقده ويرضاه، وكذلك المشتري بالخيار قبل الشراء وفي حين المساومة، هذا معلّق بالعقل والفطرة والشريعة وإذا كان هذا كذلك بَطَلَت فائدة الخبر وقد جلّ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أن يخبر بما لا فائدة فيه.

ب ـ حملهم الحديث المثبت لخيار المجلس على الافتراق بالأقوال لا بالأبدان وهو أن يقول الآخر بعد الإيجاب لا أشتري أو يرجع الموجب والمثبت قبل القبول فهو كناية.

ويكون المراد بالتفرّق هنا التفرّق بالأقوال وهو مستعمل في عرف الشارع كما في قوله تعالى: ?وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ البَيِّنَةُ? يريد تفرّقهم في العقائد والأديان.

ومنه قوله صلى الله عليه وسلَّم: «افْتَرَقَتِ اليَهُودُ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَسَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ... » الحديث.

وقوله تعالى: ?وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلاًّ مِن سَعَتِهِ? والمراد به لفظ المطلق بالطلاق ويكون بالقول.

أجيب: أنّ هذا وإن كان بالقول لا بالبدن عند البداية لكن في النهاية يكون الافتراق بالأبدان سواء في اختلاف العقائد والأديان أو الطلاق هذا المعنى معقول ومعروف حسًّا ومعنًى.

خاتمة البحث:

بعد محاولة جمع وبيان أقوال وأدلّة الفقهاء وردوداتهم على حديث المثبت لخيار المجلس تبيّن لنا أمور منها:

1 ـ أنّ النافين لخيار المجلس لم يكن لهم دليل ينصّ على عدم الثبوت، وإنّما كانت أدلّتهم استصحاب الأصل الذي في العقود اللازمة، وأنّها تلزم بمجرّد الإيجاب والقبول الدالّ على التراضي الذي محلّه القلب.

2 ـ أنّ اعتذارات النافين في ردّ حديث المتبايعين بالخيار ما لم يتفرّقا تكاثرت حتى قال ابن عبد البرّ: قد أكثر المالكية والحنفية من الاحتجاج لردّ هذا الحديث بما يطول ذكره وأكثره لا يحصل منه شيء.

3 ـ أنّ هذه الاعتذارات لم تبلغ القوّة في تأويل الحديث المذكور حتى يخرجه عمّا وضع له.

4 ـ أنّ عمدة المثبتين إنّما حديث واحد صحيح.

5 ـ أنّ استدلال المثبتين إنّما كان على سلامة صحّة دلالة الحديث على المطلوب.

هذا وفي الأخير نعلم فعلاً صحّة دليل المثبتين لخيار المجلس لسلامة وجه دلالته مع ثبوته، سيّما إذا علمنا تطبيق الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما له حيث كان إذا اشترى شيئًا يعجبه مشى خطوات ليلزم البيع وهذا الأثر إنّما أخرجه الشيخان في صحيحيهما، ولهذا قال ابن حجر: «وهو ظاهر في أنّ ابن عمر رضي الله عنهما كان يذهب إلى أنّ التفرّق المذكور بالأبدان».اهـ

وممّن قاربه شريح والشعبي وطاووس وعطاء وابن أبي مليكة.

إلاّ أنّنا نقول مثل ما قال ابن حجر في تلخيصه معقّبًا على فعل ابن عمر هذا: «لم يبلغ ابن عمر النّهي وهو قوله صلى الله عليه وسلَّم: «وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ».

وسبحانك اللهمّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلاّ أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

والحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات.

ثبت المراجع:

ـ الإشراف في مسائل الخلاف للقاضي عبد الوهّاب.

ـ إكمال الإكمال الأُبِّي.

ـ الاستذكار لابن عبد البرّ.

ـ بداية المجتهد لابن رشد.

ـ البلغة لأحمد الصاوي على الشرح الصغير للدردير.

ـ التاج والإكليل للمواق.

ـ تاج العروس للزبيدي.

ـ التلخيص الحبير لابن حجر.

ـ التلقين للقاضي عبد الوهاب.

ـ حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير على مختصر خليل.

ـ الذخيرة القرافي.

ـ الرسالة لابن أبي زيد القيرواني.

ـ سنن أبي داود.

ـ صحيح مسلم.

ـ فتح الباري لابن حجر.

ـ قاموس المحيط للفيروز أبادي.

ـ القبس لابن العربي.

ـ القوانين الفقهية.

ـ لسان العرب لابن منظور.

ـ مختصر الطحاوي.

ـ المخصّص لابن سيده.

ـ المنتقى للباجي.

ـ المدوّنة الكبرى.

ـ المعلم بفوائد مسلم للمازري.

ـ مفتاح الوصول للشريف التلمساني.

ـ معجم مقاييس اللغة لابن فارس.

ـ المقدّمات لابن رشد الجدّ.

ـ مواهب الجليل للحطّاب.

ـ الموطّأ شرح الزرقاني.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير