تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

طيب العيش ولذاذته وما تقر به عين صاحبه، فإن البرد يحصل به قرة عين الإنسان وطيبها وبرد القلب يوجب انشراحه وطمأنينته بخلاف حرارة القلب والعين، ولهذا في الحديث طهر قلبي بماء الثلج والبرد، ودمعة السرور باردة بخلاف دمعة الحزن فإنها حارة، فبرد العيش هو طيبه ونعيمه وفي الحقيقة إنما يكمل طيب العيش ونعيمه في الآخرة لا في الدنيا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة. وسبب ذلك أن ابن آدم مركب من جسد وروح وكل منهما يحتاج إلى ما يتقوت به ويتنعم به وذلك هو عيشه، فالجسد عيشه الأكل والشرب والنكاح واللباس والطيب وغير ذلك من اللذات الحسية، ففيه بهذا الاعتبار مشابهة بالحيوانات في هذه الأوصاف. وأما الروح فهي لطيفة وهي روحانية من جنس الملائكة فقوتها ولذتها وفرحها وسرورها في معرفة خالقها وبارئها وفاطرها وفي ما يقرب منه من طاعته في ذكره ومحبته والأنس به والشوق إلى لقائه، فهذا هو عيش النفس وقوتها فإذا فقدت ذلك مرضت وهلكت أعظم مما يهلك الجسد بفقد طعامه وشرابه ولهذا يوجد كثير من أهل الغنى والسعة يعطي جسده حظه من التنعيم ثم يجد ألما في قلبه ووحشة فيظنه الجهال أن هذا يزول بزيادة هذه اللذات الحسية وبعضهم يظن أنه يزول بإزالة العقل بالسكر وكل هذا يزيد الألم والوحشة، وإنما سببه أن الروح فقدت قوتها وغذاءها فمرضت وتألمت إذا كنت قوت النفس ثم هجرتها فلن تصبر النفس التي أنت قوتها ستبقى بقاء الضب في الماء أو كما يعيش ببيداء المفاوز حوتها قال بعض العارفين لقوم: ما تعدون العيش فيكم، قالوا: الطعام والشراب ونحو ذلك، فقال: إنما العيش أن لا يبقى منك جارحة إلا وهي تجاذبك إلى طاعة الله. من عاش مع الله طاب عيشه ومن عاش مع نفسه وهواه طال طيشه. قال الحسن: إن أحباء الله هم الذين ورثوا أطيب الحياة بما وصلوا إليه من مناجاة حبيبهم وبما وجدوا من لذة حبه في قلوبهم. وأكل إبراهيم مع أصحابه كسرا يابسة ثم قام إلى نهر فشرب منه بكفه ثم حمد الله وقال: لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم والسرور لجالدونا بالسيوف أيام الحياة على ما نحن فيه من لذيذ العيش وقلة التعب، فقال بعض أصحابه: يا أبا اسحاق طلب القوم الراحة والنعيم فأخطأوا الطريق المستقيم فتبسم ثم قال: من أين لك هذا أهل المحبة قوم شأنهم عجب سرورهم أبد وعيشهم طرب العيش عيشهم والملك ملكهم ما الناس إلا هم بانوا أو اقتربوا قيل لبعض العارفين وقد اعتزل عن الخلق: إذا هجرت الخلق مع من تعيش قال: مع من هجرتهم لأجله. ويروى عن المسيح أنه قال: يا معشر الحواريين كلموا الله كثيرا وكلموا الناس قليلا، قالوا: كيف نكلم الله كثيرا، قال: اخلوا بذكره اخلوا بدعائه اخلوا بمناجاته. ما أطيب عيش من يخلو بحبيب من أمل فضل مثلكم كيف يخيب واعلم أن الجمع بين هذين العيشين في دار الدنيا غير ممكن فمن اشتغل بعيش روحه وقلبه وحصل له منه نصيب وافر لهى عن عيش جسده وبدنه ولم يقدر أن يأخذ منه نهاية شهوته ولم يقدر أن يتوسع في نيل الشهوات الحسية وإنما يأخذ منها بقدر ما تقوم به حاجة البدن خاصة فينتقص بذلك عيش الجسد ولابد، وهذه كانت طريقة الأنبياء والمرسلين وأتباعهم وكان الله يختار أن يقلل نصيبهم من عيش أجسادهم ويوف نصيبهم من عيش قلوبهم وأرواحهم، قال سهل التستري: ما أتى الله عبدا من قربه ومعرفته نصيبا إلا حرمه من الدنيا بقدر ما أعطاه من معرفته وقربه ولا أتاه من الدنيا نصيبا إلا حرمه من معرفته وقربه بقدرما أتاه في الدنيا. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقتصد في عيشه غاية الاقتصاد مع ما فتح الله عليه من الدنيا والملك ومات ولم يشبع من خبز الشعير وكان يقول: ما لي وللدنيا إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب قال في ظل شجرة ثم راح وتركها. وقال صلى الله عليه وسلم: حبب إلي من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة. والنساء والطيب فيهما قوة للروح بخلاف الطعام والشراب فإن الإكثار منهما يقسي القلب ويفسده وربما أفسد البدن أيضا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن فإن كان لا بد فاعلا فثلث طعام وثلث شراب وثلث نفس. قال بعض السلف: قلة الطعام عون على التسرع إلى الخيرات. وقال آخر: ما قل طعام امرىء إلارق قلبه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير