تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ونديت عيناه. وقال إبراهيم بن آدم: الشبع يميت القلب ومنه يكون الفرح والمرح والضحك. وقال أبو سليمان: إن النفس إذا جاعت وعطشت صفي القلب ورق وإذا شبعت ورويت عمي القلب. وقال: مفتاح الدنيا الشبع ومفتاح الآخرة الجوع. وقيل للإمام أحمد: يجد الرجل رقة من قلبه وهو يشبع، قال: ما أرى. ولهذا المعنى شرع الله الصيام وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يواصل في صيامه أياما فلا يأكل ولا يشرب فإذا سئل عن ذلك يقول: إني لست مثلكم إني أظل عند ربي يطعمني ويسقين. يشير إلى أنه يستغني عن قوت جسده بما يمنحه الله من قوت روحه عند الخلوة به والأنس بذكره ومناجاته مما يورده على قلبه من المعارف القدسية والمواهب الإلهية. لها أحاديث من ذكراك تشغلها عن الطعام وتلهيها عن الزاد واعلم أن عيش الجسد يفسد عيش الروح وينغصه وأما عيش الروح فأنه يصلح عيش الجسد وقد يغنيه عن كثير مما يحتاج إليه من عيشه كان بالبصرة رجل من المجتهدين في الطاعة وكان قليل الطعام وبدنه غير مهزول فسئل عن سبب ذلك فقال ذلك من فرحي بحب الله إذا ذكرت أنه ربي وأنا عبده لم يمنع بدني أن يصلح. وسئل أبو الحسين بن بشار: هل يكون الولي سمينا، قال: نعم إذا كان الولي أمينا، قيل له: كيف والله يبغض الحبر السمين، قال: إذا علم الحبر عبد من هو ازداد سمنا. وكان بشر يخطر في داره ويقول كفى بي عزا أني لك عبد وكفى بي فخرا أنك لي رب نسبت لكم عبدا وذلك بغيتي وتشريف قدري نسبتي لعلاكم فكل عذاب في هواكم يلذ لي وكل هوان طيب في هواكم لحا الله قلبي إن تغير عنكم وإن مال في الدنيا لحب سواكم فمن وفى نفسه حظها من عيش جسده بالشهوات الحسية كالطعام والشراب فسد قلبه وقسى وجلب له ذلك الغفلة وكثرة النوم فنقص حظ روحه وقلبه من طعام المناجاة وشراب المعرفة فخسر خسرانا مبينا. قال بعضهم: مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا أطيب شيء فيها قيل: وما هو قال معرفة الله عز وجل فمن عاش في الدنيا لا يعرف ربه ولا ينعم بخدمته فعيشه عيش البهائم نهارك يا مغرور سهو وغفلة وليلك نوم والردى لك لازم وتتعب فيما سوف تكره غبه كذلك في الدنيا تعيش البهائم فالصالحون كلهم قللوا من عيش الأجساد وكثروا من عيش الأرواح لكن منهم من قلل من عيش بدنه ليستوفيه في الآخرة وهذا تاجر ومنهم من فعل ذلك خوفا من الحساب عليه في الآخرة، والمحققون فعلوا ذلك تفريغا للنفس عما يشغل عن الله لتتفرغ القلوب للعكوف على طاعته وخدمته وذكره وشكره والأنس به والشوق إلى لقائه، فإن الأخذ من عيش الأجساد أكثر من قدر الحاجة يلهي عن الله ويشغل عن خدمته، قال بعضهم: كل ما يشغلك عن الله فهو عليك شؤم فلا كان ما يلهي عن الله إنه يضر ويردي إنه لشؤم. فما تفرغ أحد لطلب عيش الأجساد وأعطى نفسه حظها من ذلك إلا ونقص حظه من عيش الأرواح وربما مات قلبه من غفلته عن الله وإعراضه عنه وقد ذم الله من كان كذلك قال الله عز وجل: فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا. ثم إن ما حصلوه من شهواتهم ينقطع ويزول بالموت وينقص بذلك حظهم عند الله في الآخرة فإن كان ما حصلوه من شهواتهم من حرام فذلك هو الخسران المبين فإنه يوجب العقوبة الشديدة في الآخرة، فلما لم يجتمع في الدنيا للعبد بلوغ حظه من عيش روحه وبلوغ نهاية حظه من عيش جسده جعل الله للمؤمنين دارا جمع لهم فيها ما بين هذين الحظين على نهاية ما يكون من الكمال وهي الجنة، فإن فيها جميع لذات الأجساد وعيشها ونعيمها كما قال الله تعالى: وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين. وقال: لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد. ولا ينقص ذلك حظهم من لذات أرواحهم فإنه تتوفر لذات قلوبهم وتتزايد على ما كانت للمؤمنين في الدنيا مما لا نسبة لما كان في الدنيا إليه فإن الخبر في الدنيا يصير هناك عيانا فأعلى نعيمهم هناك رؤية الله ومشاهدته وقربه ورضاه وتحصل لهم بذلك نهاية المعرفة به والأنس ويتزايد هنالك لذة ذكره على ما كان في الدنيا فإنهم يلهمون التسبيح كما يلهمون النفس وتصير كلمة التوحيد لهم كالماء البارد لأهل الدنيا فعلم بهذا أن العيش الطيب على الحقيقة لا يحصل في الدنيا إنما يكون بعد الموت فإن من يوفر حظه من نعيم روحه وقلبه في الدنيا يتوفر في الآخرة أيضا ومن توفر حظه من نعيم جسده في

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير