تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

دنياه وسر بها نقص في الدنيا ونقص به أيضا حظه من نعيم الآخرة، ومع هذا فهو نعيم منغص لا يدوم ولا يبقى وكثيرا ما ينغص بالأمراض والأسقام وربما انقطع وتبدل صاحبه بالفقر والذل بعد الغنى والعز وإن سلم من ذلك كله فإنه ينغصه الموت فإذا جاء الموت فما كأن من تنعم بالدنيا ذاق شيئا من لذاتها خصوصا إن انتقل بعد الموت إلى عذاب الآخرة كما قال الله تعالى: أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون. وكان الرشيد قد بنى قصرا فلما فرغ منه استدعى فيه بطعام وشراب وملاهي واستدعى أبا العتاهية فقال له صف لي ما نحن فيه من العيش فأنشأ يقول عش ما بدا لك سالما في ظل شاهقة القصور يسعى عليك بما اشتهيت لدى الرواح وفي البكور فإذا النفوس تقعقعت في ضيق حشرجة الصدور فهناك تعلم موقنا ما كنت إلا في غرور فبكى الرشيد فقال له الوزير: دعاك أمير المؤمنين لتسره فأحزنته، فقال الرشيد: دعه فإنه رآنا في عمى فكره أن يزيدنا عمى. نظر بعض المترفين عند موته إلى منزله فاستحسنه وقال: إن عيشا يكون آخره الموت لعيش معجل التنغيص ثم مات من يومه. وقال آخر يا غنيا بالدنانير محب الله أغنى وقال آخر: إنما الدنيا وإن سرت قليل من قليل إنما العيش جوار الله في ظل ظليل حين لا تسمع ما يؤذيك من قال وقيل وقال آخر: وكيف يلذ العيش من كان عالما بأن إله الخلق لابد سائله فيأخذ منه ظلمه لعباده ويجزيه بالخير الذي هو فاعله فالأشقياء في البرزخ في عيش ضنك قال الله تعالى: ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا. وقد روي عن أبي سعيد الخدري مرفوعا وموقوفا أن المعيشة الضنك عذاب القبر يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه ويسلط عليه تسعة وتسعون تنينا. وأما عيشهم في الآخرة فأضيق وأضيق فأما من طاب عيشه بعد الموت فإن طيب عيشه لا ينقطع بل كلما جاء تزايد طيبه ولهذا سئل بعضهم من أنعم الناس فقال: أجسام في التراب قد أمنت العذاب وانتظرت الثواب فهذا في البرزخ في عيش طيب. رؤي معروف في المنام بعد موته وهو ينشد: موت التقي حياة لا نفاد لها قد مات قوم وهم في الناس أحياء وكان إبراهيم بن أدهم ينشد: ما أحد أنعم من مفرد في قبره أعماله تؤنسه منعم الجسم وفي روضة زينها الله فهي مجلسه رؤي بعض الصالحين في المنام بعد موته فقال: نحن بحمد الله في برزخ محمود نفترش فيه الريحان ونتوسد فيه السندس والاستبرق إلى يوم النشور. رؤي بعض الموتى في المنام فسئل عن حال الفضيل بن عياض فقال: كسي حلة لا تقوم لها الدنيا بحواشيها. فأما عيش المتقين في الجنة فلا يحتاج أن يسأل عن طيبه ولذته ويكفي في ذلك قوله تعالى: فهو في عيشة راضية في جنة عاليه قطوفها دانية كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية. ومعنى راضية أي عيشة يحصل بها الرضى وفسر ابن عباس هنيئا بأنه لا موت فيها يشير إلى أنه لم يهنهم العيش إلا بعد الموت والخلود فيها. قال يزيد الرقاشي: أمن أهل الجنة الموت فطاب لهم العيش وأمنوا من الأسقام فهنأ لهم في جوار الله طول المقام. وقال الله تعالى: إن المتقين في جنات وعيون. إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر. أدنى أهل الجنة منزلة من ينظر في ملكه وسرره وقصوره مسيرة ألفي عام يرى أقصاه كما يرى أدناه وأعلاهم من ينظر إلى وجه ربه بكرة وعشيا وقال طائفة من السلف إن المؤمن له باب في الجنة من داره إلى دار السلام يدخل منه على ربه إذا شاء بلا إذن. قال أبو سليمان الداراني: وإذا أتاه رسول من رب العزة بالتحية واللطف فلا يصل إليه حتى يستأذن عليه يقول للحاجب: استأذن لي على ولي الله فإني لست أصل إليه، فيعلم ذلك الحاجب حاجبا آخر حتى يصل إليه فذلك قوله تعالى: وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا. فلله ذاك العيش بين خيامها وروضاتها والثغر في الروض يبسم ولله كم من خيرة إن تبسمت أضاء لها نور من الفجر أعظم ولله واديها الذي هو موعد المزيد لوفد الحب لو كنت منهم بذيالك الوادي يهيم صبابة محب يرى أن الصبابة مغنم ولله أفراح المحبين عندما يخاطبهم مولاهم ويسلم ولله أبصار ترى الله جهرة فلا الغيم يغشاها ولا هي تسأم فيا نظرة أهدت إلى القلب نظرة أمن بعدها يسلو المحب المتيم فروحك قرب إن أردت وصالهم فما غلبت نظر تشري بروحك منهم وأقدم ولا تقنع بعيش

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير