تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أوَّلاً: إصلاحُ الفقهِ من حيثُ تشجيعُ الاجتهادِ لمن تَوَفَّرَتْ فيه شروطُه، وتحقَّقَتْ فيه أدواتُه، ـ ولا أقول: فَتْحُ باب الاجتهاد، لأنَّ بابَه لم ولن يُغْلَقَ ـ، وذلك بتدبُّر النُّصوصِ وتفهُّمِها، واستخراجِ القواعدِ والحِكَمِ والعِلَلِ والمناسباتِ منها، وتطبِيقِها على المسائلِ المسْتَجَدَّةِ، وإلحاقِ ما لا نصَّ فيه منها على ما ورد به النَّصُّ؛ لأنَّ الحوادثَ تَتَجَدَّدُ، والنَّوازلَُ تحدُثُ، وقد لا تكون معروفةً في العصورِ الماضيةِ، والنُّصوصُ الشَّرعيَّةُ لم تَنُصَّ على كلِّ حادثةٍ بعينِها، ولابدَّ من معرفةِ حكمِ الله فيها، ولا يتأتَّى ذلك إلاَّ عن طريق الاجتهاد، وهو أيْسَرُ ممَّا كان عليه في العصور السَّابقةِ؛ لأنَّ موادَّه متوفِّرَةٌ مجتمعةٌ في مظَانِّها، فقد جمع العلماءُ آياتِ الأحكامِ، وأحاديثَ الأحكامِ، وبيَّنُوا النَّاسخَ والمنسوخَ، وضَبَطُوا مواضعَ الإجماعِ، ومواطنَ الخلافِ، ودوَّنُوا الفقهَ، وقعَّدوا قواعدَه وأصولَه، وتكلَّموا في اللُّغةِ وفنونِها، وكلُّ هذه العلومِ التي تعتبرُ دَعَائِمَ أساسيَّةً للاجتهاد مدوَّنَةً في كتبٍ خاصَّةٍ، سهلة المرَامِ، لَيِّنَة المأخذِ.

وقد كان المتقدِّمُونَ يَبْذُلُونَ جهودًا مُضْنِيَةً في تحصيلها، وقد لا يتأتَّى لهم ذلك، كما هو واقعٌ في مسائل الإجماعِ والخلافِ، فكم من مسألةٍ ادُّعي فيها الإجماعُ، وقد ثَبَتَ فيها الخلافُ.

فالاجتهاد هو القلبُ النَّابِضُ الذي به حياةُ الفقهِ الإسلاميِّ، ودليلٌ على صلاحيَّةِ الشَّريعةِ الإسلاميَّةِ السَّمْحَةِ لكلِّ زمانٍ ومكانٍ، والوسيلةُ المثْلَى للتعَرُّفِ على أحكامِ النَّوازلِ؛ والقولُ بسدِّ بابِ الاجتهادِ هو إجهاضٌ للفقهِ الإسلاميِّ، وتضييقٌ لدَوْرِه الفَعَّالِ في مواجهة المستجدَّاتِ، ومواكبةِ التَّطَوُّرَاتِ، وإيجادِ حلولٍ للمشكلاتِ، ونُكْرَانٌ لنعمةِ الفِكْرِ والنَّظَرِ.

ثانيا: إصلاحُ الفقه من حيثُ تصفيَتُه من الأحاديثِ الضَّعيفةِ، والأخبارِ الوَاهيَةِ التي شانَتْ كُتُبَ الفقهِ، وقد بَنَى كثيرٌ من الفقهاءِ عليها أحكامَهم، وخرَّجوا عليها أصولَهم، إمَّا جهلاً منهم بأسانيدِها وعِلَلِها، وإمَّا تعصُّبًا ونصرةً للمذهبِ.

ومعلومٌ أنَّ الأحكامَ لا تُبْنَى إلاَّ على ما صحَّ من الأحاديث، فإذا صُفِّيَتْ كتبُ الفقه من هذه الأحاديثِ، فإنَّه يَقِلُّ الخلافُ، ويُعْرَفُ الصَّوابُ.

وقد صُرِفَتْ عنايةُ كثيرٍ من علماءِ الحديث إلى تخريج الأحاديثِ الواردة في كتب الفقه المعتمدةِ وتحقيقِها، مع بيانِ درجتها من حيث الصِّحَّةُ أو الضَّعفُ.

ثالثًا: إصلاحُ الفقه منْ حيثُ تحليتُه بالنُّصوصِ الشَّرعيَّةِ، وربطُ مسائِلِه بدلائلِها، فيُذْكَرُ مع كلِّ مسألةٍ دليلُها من القرآنِ والسنَّةِ والإجماعِ والقياسِ وأقوالِ الصَّحابةِ، وغيرِها من المصادر التبعيَّة؛ وبهذا تُفْهَمُ الأحكامُ، وتُعرفُ مآخذُ الأقوالِ؛ لأنَّ أخذَ الحكم بغير معرفةِ دليله هو عينُ التَّقليدِ، وقد عرَّف العلماءُ التَّقليدَ أنَّه: «قَبُولُ قولِ الغير بغير حُجَّةٍ»، واتَّفقوا على أنَّ التَّقليدَ ليس بعلمٍ.

رابعًا: إصلاحُ الفقهِ من حيثُ تصفيتُه من الأقوالِ الشَّاذَّةِ، والآراءِ الباطلةِ المخالفةِ للنُّصوصِ، والاختياراتِ المرْجُوحَةِ التي ثَبَتَ ضعفُهَا، وإبرازُ المسائلِ المجمعِ عليها، والمسائلِ الرَّاجحةِ التي ثَبَتَتْ بالدَّليلِ الصَّحيحِ الصَّريحِ؛ أمَّا المسائلُ التي تكافأَتْ فيها الأدِلَّةُ، ولم يُتَبَيَّنْ فيها القولُ الرَّاجحُ فَتُعْرَضُ، ويبقى الاختيارُ بحسب الرُّجوع إلى الأصل أو المرجِّحَاتِ الخارجيَّةِ، فمواردُ النِّزاعِ ومسالكُ الاجتهاد لا إنكارَ فيها.

خامسًا: إصلاحُ الفقه منْ حيثُ تصفيتُه من الفَرَضِيَّاتِ والأُغْلُوطَاتِ التي يستحيلُ وقوعُها، بل رُبَّما وصلت إلى حدِّ السَّخافاتِ والحماقاتِ ـ في بعض الأحيانِ يُسْتَحْيَى من ذكرها ـ أو المسائلِ التي لا فائدةَ منها، ولا طائلَ من ورائِها، وقد يُعتبر البحثُ عنها من التَّكلُّفِ الذي نُهِينَا عنه، وتكون دراستُها من باب إضاعةِ الوقت وشُغْلِ البَالِ، وقد أَخْرَجَتِ الفقهَ عن مقصده وأبعدَتْه عن ميدانِ العمل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير