تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والجواب على هذا الاستدلال هو أن نلاحظ أن الجماعة التي تضمنها الحديث هي جماعة إنسان دخل المسجد بعد الجماعة الأولى، ويريد أن يصلي وحده، فحض الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه الذين كانوا قد صلوا معه أن يقوم أحدهم فيتطوع ويصلي نافلة، ففعل وكذلك وقع؛ فهذه الجماعة مؤلفة من شخصين: إمام ومأموم، الإمام مفترض والمأموم متنفل، فمن هو الذي عقد هذه الجماعة؟ لولا المتنفل ما كان هناك جماعة، إذن هذه الجماعة تطوع وتنفل، وليست جماعة فريضة، والخلاف إنما يدور حول جماعة فريضة ثانية، ولهذا فإن الاستدلال بحديث أبي سعيد على موضع النزاع غير صحيح، والذي يؤكد هذا أن الحديث يقول:"ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه"، وهذه الحادثة-التي وقعت-فيها متصدق، وفيها متصدق عليه، فلو سألنا أقل الناس فهما وعلما: من المتصدق؟ ومن المتصدق عليه في هذه الحالة التي أقرها الرسول صلى الله عليه وسلم؟ سيكون الجواب: المتصدق هو المتنفل الذي صلي الفريضة وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمتصدق عليه هو الذي جاء متأخرا.

السؤال نفسه إذا طرحناه في الجماعة التي هي موضع النزاع: دخل ستة أو سبعة المسجد، فوجدوا الإمام قد صلى فأمهم أحدهم وصلى بهم جماعة ثانية، فمن هو المتصدق من هؤلاء، ومن هو المتصدق عليه؟ لا أحد يستطيع أن يقول كما استطاع أن يقول في الصورة الأولى، فهذه الجماعة التي دخلت بعد صلاة الإمام كلهم يصلي فرض الوقت، ليس هناك متصدق ولا متصدق عليه، وسر هذا واضح في الصورة الأولى: المتصدق هو الرجل المتنفل الذي صلى وراء الرسول صلى الله عليه وسلم وكتبت صلاته بسبع وعشرين درجة، فهو إذن غني وبإمكانه أن يتصدق على غيره، والذي صلى إمام-ولولا ذلك المتصدق عليه لصلى وحيدا-فقير، وهو بحاجة إلى من يتصدق عليه؛ لأنه لم يكتسب ما اكتسب المتصدق عليه.

وواضح سبب كون هذا متصدقا وهذا امتصدقا عليه، أما في صورة النزاع فالصورة غير واضحة؛ لأنهم كلهم فقراء، كلهم فاتتهم فضيلة الجماعة الأولى فلا ينطبق قول الرسول صلى الله عليه وسلم:" ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه"، فعلى مثل هذه الحالة لا يصح الاستدلال بهذه الحادثة، ولا على هذه المسألة التي هي موضع البحث.

ونضم جهة أخرى من استدلالهم هي قوله عليه الصلاة والسلام:"صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة"، فاستدلوا بإطلاق؛أي أنهم فهموا أن (أل) في كلمة الجماعة للشمول؛ أي أن كل صلاة جماعة في المسجد تفضل صلاة الفذ، ونحن نقول بناء على الأدلة السابقة: إن (أل) هذه ليست للشمول، وإنما هي للعهد؛ أي أن صلاة الجماعة التي شرعها الرسول صلى الله عليه وسلم،وحض الناس عليها، وأمر الناس بها، وهدد المتخلفين عنها بحرق بيوتهم، ووصف من تخلف عنها بأنه من المنافقين-هي صلاة الجماعة التي تفضل صلاة الفذ، وهي الجماعة الأولى والله تعالى أعلم.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير