كبار العلماء نشرتها صحيفة الجزيرة يوم الجمعة 27/ 11/1428هـ ينص فيها على: (أن من أدى فرضه، فالأولى أن لا يكرر الحج في هذه الظروف الصعبة، ويترك المجال لغيره ممن لم يحج، قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}، وقال تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}، مشيرا إلى أن هناك مجالات واسعة لفعل الخير غير الحج النافلة، بإمكان المسلم أن يساهم فيها، وقد يكون أجرها أعظم من حج النافلة، هذا لو كان الحج متيسرا، فكيف إذا كان الحج متعسرا كما عليه الحال في هذه الأزمان) إلى آخر ما نقلته عنه الصحيفة.
ومسألتنا التي نحن بصددها تخدم هذا الاتجاه وهو الرغبة في التيسير على الحجاج وتخفيف الزحام, حيث إن الإفراد يسقط فيه عن الحجاج طواف وسعي. فإذا زاد عدد الحجاج المفردين عن نصف مليون تبين لك مدى الأثر الذي سيحدثه هذا العدد على المطاف والمسعى من السعة والراحة, وكلما زاد عدد المفردين زاد هذا الأثر العظيم وحصل التخفيف عن الحجاج ولئن كان التمتع أرفق بالحاج الذي يصل إلى مكة مبكراً في ذي القعدة, ويشق عليه البقاء في إحرامه مدة طويلة, والتمتع يتيح له فسخ الإحرام بعد العمرة ولا يعود إليه إلا في اليوم الثامن, فإن الإفراد أرفق بحجاج الداخل الذين لا يصلون إلى مكة في هذه السنوات الأخيرة إلا في اليوم السابع أو الثامن من ذي الحجة فيشق عليهم التمتع لأنه يلزمهم الإتيان بعمرة ثم فسخ الإحرام والعودة إليه في هذا الوقت الضيق. وقد سمعت فضيلة الشيخ الدكتور عبد الله المطلق يفتي به الحجاج الذين لا يصلون إلى مكة إلا قبل يوم التروية بيوم أو يومين ويرى أنه الأفضل في حقهم لأنه أرفق بهم, دون أن يسألهم هل اعتمروا في عامهم أو لا؟. يضاف إلى ذلك كله مسألة مهمة جداً وهي مسألة الهدي, فإن الحاج المفرد لا هدي عليه, ومعلوم أن سقوط الهدي عن هذا العدد الكبير من المفردين سيقلل من كمية اللحوم التي تتعرض للتلف والفساد في مسالخ منى, على الرغم من جهود الحكومة العظيمة في الاستفادة من لحوم الهدي والأضاحي ممثلة في البنك الإسلامي, حيث إن ما يذبح في منى خلال يوم العيد وأيام التشريق من الهدي والأضاحي والفدي الذي يجبر به النسك ممن وقع في محظور من المحظورات كل ذلك يفوق طاقة البنك, فإن المذبوح قد يصل إلى مليوني رأس, وطاقة البنك لم تصل إلى المليون بعد.
ومن خلال ما تقدم من الفوائد المترتبة على اختيار الإفراد من تخفيف الزحام والجهد على الحاج نفسه وعلى غيره من الحجاج والعاملين في أجهزة الدولة, ومن الإسهام في تقليل كميات اللحوم المتلفة أظن أن الحاج الذي قد اعتمر في العام نفسه صار لديه اقتناع باختيار الإفراد حتى ولو كان نسكاً مفضولاً, فما بالك بعد ما تبيّن أنه هو الأفضل ويحقق كل هذه الفوائد.
أخيراً, ومع كل ما تقدم فلست أزعم أن ما كتبته حول هذا الموضوع يعد قولاً فصلاً فيه, فلست من أرباب هذا الفن ولا من فرسانه, وإنما من محبيه, وقد حملني على العناية بهذا الأمر والاهتمام به استشعار المسؤولية تجاه ضيوف الرحمن والرغبة في الإسهام مع الدولة ببعض الحلول الناجعة – ولو كانت يسيرة- لتخفيف هذه المعاناة العظيمة والضغط الكبير الذي يعاني منه العاملون والحجاج, وخير الحلول في نظري ما حقق فائدة ظاهرة ولم يخل بشيء من أحكام الحج, ولم يحتج إلى تكاليف وأعباء مالية إضافية, ومقترحنا هذا – بحمد الله – من هذا النوع. ومازلت شديد الأمل بأن يحظى هذا الموضوع بما يستحقه من الاهتمام لدى سماحة المفتي العام حفظه الله وبقية العلماء وطلاب العلم الأفاضل وغيرهم من المسؤولين المعنييّن وسائر المسلمين العازمين على تأدية هذا النسك العظيم, ومن بوادر الاستجابة المشجعة لهذا الاقتراح أنه جمعني لقاء في منزل الشيخ الدكتور صالح السدلان بفضيلة الشيخ/ عبدالله بن جبرين/ رحمه الله, وأثار أحد الزملاء هذا الموضوع, وذكر للشيخ أنني قد كتبت فيه شيئاً, وعندما عرضت الموضوع على فضيلته بتفاصيله, علق بتعليق علمي نفيس فيه تفصيل جيد, وختمه بالقول إنه من المؤيدين لهذا الرأي وأنه يعمل به ويفتي به, وقد استأذنت فضيلته في نشر ذلك ونسبته إليه فأذن رحمه الله بذلك. كما أن مضيفنا الشيخ السدلان قد أظهر تأييده لذلك وإعجابه بالموضوع. أسأل الله أن يزيدنا فقهاً في دينه وأن يتقبل من الحجاج حجهم ويثيب الساهرين على خدمتهم وراحتهم.
د. محمد بن خالد الفاضل
جامعة الأمير سلطان بالرياض
5/ 12/1430هـ
منقووول من صيد الفوائد