تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[فصل في أن العلم بإصابة الإنسان بالسحر ليس من علم الغيب المطلق]

ـ[هشام الهاشمي]ــــــــ[13 - 12 - 09, 11:23 ص]ـ

روى الدارقطني في ((السنن))، والحاكم في ((المستدرك))، والبيهقي في ((الكبرى)) والهيثمي في ((المجمع) واللفظ للدارقطني قال: نا أبو محمد بن صاعد نا محمد بن المثنى نا عبد الوهاب الثقفي قال: سمعت يحيى ابن سعيد يقول أخبرني ابن عَمرة محمد بن عبد الرحمن بن حارثة وهو أبو الرجال عن عمرة أن عائشة رضي الله عنها أصابها مرض وأن بعض بني أخيها ذكروا شكواها لرجل من الزُّطِّ (1) يتطبب، وأنه قال لهم: إنكم لتذكرون امرأة مسحورة سحرتها جارية لها في حَجْر الجارية الآن صبي قد بال في حَجْرها؛ فذكروا ذلك لعائشة رضي الله عنها فقالت: ادعوا لي فلانة، لجارية لها، فقالوا: في حجرها فلان ـ صبي لهم ـ قد بال في حجرها، فقالت: ائتوني بها، فأُتيت بها، فقالت: سحرْتِيني (؟) قالت: نعم، قالت: لِمَهْ (؟) قالت: أردت أن أُعْتَقَ.

وكانت عائشة رضي الله عنها أعتقتها عن دُبر منها (2)، فقالت: إن لله عليَّ أن لا تُعتقي أبداً، انظروا أسوأ العرب ملكة فبيعوها منهم، واشترت بثمنها جارية فأعتقتها)) (3).

وفي ((الموطأ)): ((حدثنا أبو مصعب قال حدثنا مالك عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة عن عائشة أنها أعتقت جارية لها عن دبر منها، ثم إن عائشة مرضت بعد ذلك ما شاء الله، فدخل عليها سِنْدِيٌّ فقال: إنك مطبوبة، فقالت من طبني (؟) فقال: امرأة من نعتها كذا وكذا، وقال: في حجرها صبي قد بال، فقالت عائشة: ادعوا لي فلانة، لجارية لها تخدمها، فوجدوها في بيت جيران لها في حجرها صبي قد بال، فقالت: حتى أغسل بول هذا الصبي، فغسلته ثم جاءت، فقالت لها عائشة: أسحرتني (؟) فقالت: نعم، فقالت: لم (؟) قالت: أحببت العتق، فقالت عائشة: أحببت العتق فوالله لا تعتقي أبداً، فأمرت ابن أخيها أن يبيعها من الأعراب ممن يسيء مِلْكَتَهَا، ثم ابتع لي بثمنها رقبة حتى أعتقها، ففعل. . .)) (4).

قلت: والشاهد قول الزطي في الرواية الأولى: ((إنكم لتذكرون امرأة مسحورة) وقوله في الثانية: ((إنك مطبوبة) وقول الجارية: ((نعم))، فلو كان مرض عائشة بالسحر من الغيب المطلق الذي لا يعلمه إلا الله لما علمه الزطي هذا، فالمطلق لا يظهر الله عليه أحداً إلا من ارتضى من رسول، والزطي ليس بمرتضى ولا برسول، زد على ذلك علم الجارية بأن عائشة مسحورة، فهي التي سحرتها (5).

الفوائد المستنبطة من الأثر:

(أ) ((جواز أن تقول للمسحور عن سحره، ومَنْ سَحَرَهُ إن لم يكن يعلم فقد أقرَّت عائشة في إحدى الروايتين بني أخيها فلم تنكر عليهم، كذا لم تنكر على الزطي قوله لها في الرواية الثانية.

(ب) سؤال المسحور مَنْ سحره إن علم: سحرتني (؟) ليتثبت، ولِمَهْ (؟) ليقف على السبب.

(ج) جواز أن يعاقب المسحور من سحره، وينتصر منه، وأن يأخذ على يده إن كان مقدوراً عليه بما هو مشروع، ومن ذلك أن يرفع أمره للقاضي أو السلطان، فقد عاملت عائشة الجارية التي هي ملكٌ لها نقيض مرادها، وهذا مشروع كحرمان القاتل ميراث القتيل وهذا مجمع عليه بين أهل العلم)) (6).

ـــــــــــــــ

(1) الزُّطُّ: جنس من السودان والهنود، والواحد: زُطِّي، وهم الذين يتكلم الجن على ألسنتهم ويخبرون عن المغيبات، قال عنهم شيخ الإسلام: ((. . . فإذا كان لبعض الناس مصروع أو نحوه أعطاهم شيئاً فيجيئون ويضربون لهم بالدف والملاهي ويحرقون ويوقدون ناراً عظيمة مؤججة ويضعون فيها الحديد العظيم حتى يبقى أعظم من الجمر وينصبون رماحاً فيها أسنة ثم يصعد أحدهم يقعد فوق أسنة الرماح قدام الناس ويأخذ ذلك الحديد المحمى ويمره على يديه. . . وذلك من شياطينهم الذين يصعدون بهم فوق الرمح، وهم الذين يباشرون النار وأولئك قد لا يشعرون بذلك كالمصروع الذي يُضرب ضرباً وجيعاً وهو لا يحس بذلك لأن الضرب يقع على الجني)).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير