تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما القول بأن الحمل يمكن أن يمتد لسنوات فهو أمرٌ مرفوض في عالم الطب، ولذا رفضه غالب الباحثين المعاصرين

.

وقد طعن ابن حزم رحمه الله في صحة الأخبار التي اعتمد عليها أولئك العلماء، وقالوا بأن الحمل يمكن أن يمتد لسنوات. فقال رحمه الله – تعليقاً على الأخبار التي تروى عن نساء حملن لعدة سنين

-:

"

وكلُّ هذه: أخبارٌ مكذوبةٌ، راجعةٌ إلى مَنْ لا يَصْدق، ولا يُعرف من هو، ولا يجوز الحكم في دين الله تعالى بمثل هذا" انتهى.

"

المحلى" (10/ 316).

وقد استدل من قال من الفقهاء بامتداد مدة الحمل إلى سنوات كثيرة ببعض الأحاديث والآثار، غير أنها ضعيفة لا يثبت بها مثل هذا الحكم

.

وقد تتبعها ابن حزم رحمه الله بالتضعيف، والإنكار

.

ثانياً

:

أما أقوال الباحثين المعاصرين في هذه المسألة فنذكر بعضها

:

1.

جاء في التوصيات الصادرة عن " المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية " في موضوع " أقصى مدة الحمل " – الندوة الثالثة سنة 1987 م-:

يستمر نماء الحمل منذ التلقيح حتى الميلاد معتمداً في غذائه على المشيمة، والاعتبار: أن مدة الحمل بوجه التقريب: مائتان وثمانون يوماً، تبدأ من أول أيام الحيضة السوية السابقة للحمل

.

فإذا تأخر الميلاد عن ذلك: ففي المشيمة بقية رصيد يخدم الجنين بكفاءة لمدة أسبوعين آخرين , ثم يعاني الجنين المجاعة من بعد ذلك، لدرجة ترفع نسبة وفاة الجنين في الأسبوع الثالث والأربعين , والرابع والأربعين , ومن النادر: أن ينجو من الموت جنين بقي في الرحم خمسة وأربعين أسبوعاً

.

ولاستيعاب النادر والشاذ: تُمد هذه المدة اعتباراً من أسبوعين آخرين، لتصبح ثلاثمائة وثلاثين يوماً , ولم يُعرف أن مشيمة قدِرت أن تمدَّ الجنين بعناصر الحياة لهذه المدة , وقد بالغ القانون في الاحتياط مستنداً إلى بعض الآراء الفقهية، بجانب الرأي العلمي , فجعل أقصى مدة الحمل: سنَة. انتهى

.

2.

وقد ذكر الأستاذ عمر بن محمد بن إبراهيم غانم في خاتمة كتابه " أحكام الجنين في الفقه الإسلامي " النتائج التي توصل إليها، ومنها:

-

أن أقصى مدة للحمل هي: سنَة قمرية واحدة، ولا عبرة لما ذهب إليه الفقهاء من أقوال تزيد عن هذه المدة، بنيت على الظنون، والأوهام، ولا أساس لها من الحقيقة، بل إن معطيات العلم الحديث تبددها. انتهى.

3.

وقال الدكتور محمد سليمان النور في مقاله " مدّة الحمل بين الفقه والطب وبعض قوانين الأحوال الشخصية المعاصرة":

وترجح للباحث أنها ثلاثمائة وثلاثون يوماً، ويمكن أن تزيد إذا ثبت بالفحص ما يتسمى عند الأطباء بـ " السبات "، وهو يحدث عندما يتم الحمل، وفي مرحلة ما يتوقف هذا الحمل عن النمو لفترة، لكنه موجود حيٌّ، وفق الفحوصات، والاختبارات الطبية، فتزيد مدة الحمل بقدر زيادته، واختلف الأطباء في أكثر مدة الحمل على ثلاثة آراء: أنها: عشرة أشهر، (310) يوماً، (330) يوماً، وهي آراء متقاربة، وأحوطها: الرأي الأخير، وعلل بعض الأطباء حكايات الحمل الممتد لسنين بعدة تعليلات، وهي: الحمل الوهمي أو الكاذب، الخطأ في الحساب من بعض الحوامل، ظهور أسنان عند بعض المولودين حديثاً، موت الحمل في بطن أمه وبقاؤه فيها مدة طويلة، عدم صحة هذه الأخبار

.

وذهبت قوانين الأحوال الشخصية المعاصرة، ومشروعات قوانين الأحوال الشخصية في كثير من البلاد الإسلامية: إلى أن أكثر مدة الحمل: سنًة واحدة

.

"

مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية الكويتية "، عدد شعبان، 1428 هـ.

4.

وقال الدكتور عبد الرشيد بن محمد أمين بن قاسم:

وبالتأمل في الأقوال السابقة: يظهر لي: أن أقصى مدة الحمل التي تبنى عليها الأحكام الشرعية: هي المدة المعهودة، تسعة أشهر، والتي قد تزيد أسابيع محدودة، كما هو الواقع، أما المدد الطويلة: فهي نادرة، والقاعدة الفقهية أن " الاحتمالات النادرة لا يُلتفت إليها "، والقاعدة: " العبرة بالغالب، والنادر لا حكم له "، والواقع المعاصر يبدِّد وهم القائلين بامتداد حمل امتد لسنوات، حيث يولد في العام الواحد عشرات الملايين من البشر، ولو قدِّر وجود أمثال هذا الحمل: لتناقلته وسائل الإعلام، والأطباء، حيث إنهم يهتمون بنقل ما هو أقل من هذا الحدَث بكثير، وقد اختار هذا الرأي: عامة الباحثين المعاصرين، الذين تناولوا هذه المسألة

.

"

أقل وأكثر مدة الحمل، دراسة فقهية طبية " (ص 10) – ترقيم الشاملة-.

وأخيراً .. الذي يمكن أن يقال في هذه المسألة: إذا ثبت طبياً، ثبوتاً أكيداً لا شبهة فيه، أن الحمل لا يمكن أن يبقى كل هذه السنوات الطويلة، فلا مفر من القول بذلك، لأن الشرع لا يمكن أن يأتي بما يخالف الواقع أو الحس

.

والمسألة ليس فيها نص من القرآن أو السنة حتى نقول إن الدين تصادم مع العلم، وإنما هي اجتهادات لأهل العلم المرجع فيها إلى الوجود؛ أي أن من قال بقول ما، ذكر أنه قد وجد في الواقع ما يشهد له ويؤيده

.

ولهذا قال ابن رشد رحمه الله

:

"

وهذه المسألة مرجوع فيها إلى العادة، والتجربة، وقول ابن عبد الحكم، والظاهرية: هو أقرب إلى المعتاد، والحُكم: إنما يجب أن يكون بالمعتاد، لا بالنادر ولعله أن يكون مستحيلاً" انتهى.

"

بداية المجتهد" (2/ 358).

وقال ابن عبد البر رحمه الله

:

"

وهذه مسألة لا أصل لها إلا الاجتهاد، والرد إلى ما عُرف من أمر النساء" انتهى.

"

الاستذكار" (7/ 170).

وحينئذ يمكن الاعتذار عن العلماء الذين قالوا بجواز المدة الطويلة، بأنهم بنوا ذلك على أخبار ظنوا ـ حينئذ ـ ثبوتها، وبنوا الأمر على السلامة

.

وللوقوف على معنى قوله تعالى: (وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً): الأحقاف/15: انظر جواب السؤال رقم

: (102445).

وللوقوف على شرح حديث عبد بن زمعة: انظر جواب السؤال رقم

: (100270).

والله أعلم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير