وإذ نحن قد أغفلنا هذا الاختلاف, وقعنا بالضرورة في أخطاء تكبر أو تصغر بحسب ما للمصطلح ذاته من أهمية منهجية.
هذا وإنما يُعرف تفسير المصطلح من أهله العارفين به المتخصصين الدارسين والمتأملين, لا من غيرهم.
والسبيل إلى إدراك ذلك بأمرين:
أولهما: أن يأتي نص عن إمام متخصص يفصح به عن معنى هذا اللفظ عنده أو عند غيره.
ثانيهما: الاستقراء والتتبع للمواضع التي ورد فيها هذا اللفظ، فيعرف معناه من خلال السياق، أو من خلال مقارنة هذه المواضع بعضها ببعض.
قال الناظم:
اعلم بأن اللفظ قد يستعمل **** في غير ما علم, فلا يسشكل
فكل علم وله اصطلاحه **** معناه عند أهله وشرحه
يدرى بالاستقراء أو بنص **** صاحبه أو عالم مختص
وربما تعددت معاني **** الاصطلاح عند أهل الشان
ومما يرجع إلى ضبط معنى المصطلح لتحقيق الأقوال الفقهية خاصة وتضييق وجهات النظر عند مآخد البحث العلمي:الاعتناء بالتعريفات والحدود بعد تحقيقها، للرجوع إليها عند الاختلاف 3، وليتوصل بها بعد ذلك إلى التصور الصحيح، والمعنى الفصيح.
قال القرافي المالكي- رحمه الله-: "إذا اختلفتم في الحقائق فحكموا الحدود" اهـ " الفروق" 4/ 200.
ولذا ألف علمائنا المالكية في ذلك مؤلفات عديدة كغيرهم من علماء المذاهب الأخرى من ذلك:
"الحدود في الأصول" لسليمان بن خلف الباجي المالكي، "الحدود" لابن عرفة المالكي (المتوفى سنة 803هـ) في آخرين.
فالمصطلح – إذن - من فقرات "صلب العلم" 4، وليس أدلَّ على ذلك من أننا إذا جرَّدنا أي علم من مصطلحاته فلا يبقى منه بعد ذلك شيء، وذلك أمر مطّرد في جميع العلوم لا يند عنه منها شيء.
............................................
1. المصطلح هو: "اللفظ الذي يُسمّي مفهوماً معيَّناً داخل تخصُّص ما" قاموس اللسانيات مع مقدمة في علم المصطلح للمسدي 10، مع التنبيه على أن لفظ " الاصطلاح" غالبا ما يستعمل في العلم الذي تحصل معلوماته بالنظر والاستدلال. انظر "الكليات" لأبي البقاء اللغوي- رحمه الله-129
2. جاء في كتاب سيبويه: "اعلم أن من كلامهم (أي العرب) اختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين, واختلاف اللفظين والمعنى واحد, واتفاق اللفظين واختلاف المعنيين ... " "الكتاب"1/ 24
3. قال الإمام ابن حزم رحمه الله:" لو اتفقت مصطلحات الناس لانتهت ثلاثة أرباع خلاف أهل الأرض"اهـ نقلا عن " المصطلح الأصولي ومشكلة المفاهيم" لعلي جمعة ص 47.
4. يقول الشاطبي المالكي رحمه الله:" من العلم ما هو صلب العلم، ومنه ما هو ملح العلم .. " الموافقات 1/ 107 تحقيق مشهور.