والثاني: أن النكاح إنما خالف البيع فيما ذكره لأن المقصود به الوُصلة والمصاهرة إلى الموت فإذا مات أحدهما فقد تمت الوصلة وانتهى العقد إلى منتهاه فمن المحال أن يكون مع تمام العقد نحكم بإبطال العقد كما نقول في الإجارة إذا عقدت إلى أمد ثم انقضت المدة لم يجز أن يقال إن الأحكام قد بطلت بانقضاء المدة وتمامها فكذلك النكاح وليس كذلك البيع فإن المقصود به التصرف في المعاني التي تثبت الملك من الاقتناء والتصرف والاستخدام فإذا هلك المبيع قبل التسليم فإن المعنى المقصود قد فات فلهذا تبطل وأما في مسألتنا فالملكان على هذا واحد في الاستحقاق للنفقة فإذا وجبت الإزالة في أحد الموضعين بالعجز عن الإنفاق وجب أن يكون في الموضع الآخر مثله
وأما المعاوضة التي ذكرتها فلا تصح لأنه إن جاز أن يقال في العبد إنه يزول ملكه عنه لأنه تمكن إزالة الملك فيه بالنقل إلى غيره ففي الزوجة أيضا يمكن إزالة الملك إلى غيره بالطلاق فوجب أن يزال وعلى هذا تبطل به إذا عجز الزوج عن الوطء فإنه يثبت لها الخيار في مفارقة الزوج وإن كان لا يصح الملك فيها ألا ترى أنا نفرق بينهما بالعُنَّة فكذلك هاهنا.
فأما الكلام في أم الولد فإنا لا نسلمه فإن من أصحابنا من قال إنه يجب إعتاقها متى عجز عن الإنفاق فعلى هذا لا نسلمه وإن سلمتُ فالمعنى فيها أنه لا يمكنها أن تتوصل إلى تحصيل النفقة بمثل ذلك السبب إذا أزيل ملكه عنها وهى ها هنا يمكنها التوصل إلى تحصيل النفقة بمثل ذلك السبب إذا أزيل ملكه عنها وذلك بأن تتزوج آخر وهو بمنزلة ما ذكرت من العبد القن.
فقال له الشيخ أبو عبد الله الدامغاني على الفصل الأول: إذا كان قد استويا في مسألتنا في استحقاق النفقة بالملك في كل واحد منهما وأوجب ذلك التسوية بينهما في إزالة الملك فيهما لزمك أنه قد استوى البيع والنكاح في أن كل واحد منهما يستحق به الملك فوجب أن يستويا في إبطاله بفوات التسليم
وأما قولك إن المقصود بالنكاح هو الوصلة وقد حصلت فليس بصحيح لأن المقصود في النكاح هو الوطء لأن الزوج إنما يتزوج للاستمتاع لا بقصد الوصلة من غير استمتاع
وعلى أنه إن كان المقصود في النكاح هو الوصلة ففي البيع أيضا هو الملك دون الاقتناء والاستخدام بدليل أنه إذا اشترى أباه يحكم بصحة البيع وإن لم يحصل الاستخدام ولكن لما حصل الملك حكمنا بجوازه.
وعلى أن في مسألتنا أيضا النكاح مخالف لملك اليمين في باب النفقة ألا ترى أن كل نفقة واجبة في ملك اليمين يستحق بها الإزالة وقد تجب في النكاح نفقات واجبة يحبس عليها ولا يستحق عليها الإزالة وهي النفقة الماضية ونفقة الخادم فدل ذلك على الفرق بينهما
وأما الفصل الثاني وهي المعاوضة فهي صحيحة وقوله إن هاهنا أيضا يمكن إزالة الملك بالطلاق فغير صحيح لأن الطلاق إزالة ملك بغير عوض وهذا لا يوجبه العجز عن النفقة كما لا يجب إعتاق عبده للعجز عن النفقة.
وأما ما ألزمت من الوطء إذا عجز عنه الزوج فليس بصحيح فإن في الوطء لا يمكنها تحصيله وأما النفقة فيمكنها تحصيلها بالاستقراض والاستخدام وغير ذلك وتنفق على نفسها
وأما ما قلت في أم الولد إني لا أسلمه فإنه لا خلاف أنه لا يجوز إعتاقها
وقولك إنه لا يتوصل إلى مثله بمثل هذا السبب وهاهنا يمكنه التوصل غير صحيح لأنه لا يمكنها أن تتوصل حتى تنقضي عدتها وتتزوج زوجا آخر وربما كان الزوج الثاني مثل الزوج الأول في الفقر فتركها عند الأول أولى.
قال الشيخ أبو إسحاق على الفصل الأول: إنما جمعت بين الملكين وجعلته مؤثرا في باب الإزالة وهو استحقاق النفقة في كل واحد منهما فإذا حصل العجز ووجبت الإزالة في أحد الموضعين وجب في الموضع الآخر مثله وليس هذا بمنزلة المساواة في البيع والنكاح في أن كل واحد منهما يوجب الملك لأنهما وإن تساويا في الملك إلا أنهما مختلفان في التسليم ألا ترى أن التسليم مستحق بعد البيع وغير مستحق بعد النكاح والذي يدل عليه أنه إذا باع عبدا آبقا لم يصح العقد فدل على أنهما مختلفان في وجوب التسليم فجاز أن يختلفا في جواز التسليم وفي مسألتنا استويا في وجوب النفقة فوجب أن يتساويا في الإزالة عند العجز عنها
¥