وأما ما ذكرت من الفرق بين البيع والنكاح في المقصود وقلت إن المقصود من النكاح هو الوُصلة والمصاهرة فإذا فرق الموت بينهما فقد حصل المقصود وتمت الوصلة فلهذا قلنا إنه لا يبطل وفي البيع المقصود هو التصرف والاقتناء فإذا هلك التسليم فإن المقصود قد فات.
وقولك إن الرجل يقصد بالنكاح الاستمتاع فهو صحيح إلا أنه لا يمتنع أن يكون له مقاصد أخر وليس كذلك البيع فإن عامة مقاصده قد فاتت بفوات التسليم فافترقا
وأما ما ذكرت من أن البيع المقصود منه أيضا هو الملك وقد حصل بدليل أنه يجوز له أن يشتري أباه فيعتق عليه فهذا نادر وشاذ في باب البيع والمقصود من البياعات والأشرية ما ذكرت فلا يجوز إبطال ما وضع عليه الباب بأشذ وأندر
على أن هناك قد حصل المقصود لأن المقصود في شراء الوالد أن يعتق عليه ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لا يجزي ولد والدا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه وليس كذلك هاهنا إذا مات قبل التسليم فإنه لا يحصل المقصود فافترقا
وأما قولك في مِلك النكاح أيضا إنه مخالف للمِلك في باب النفقة بدليل أن كل نفقة واجبة في ملك اليمين يزال بالعجز عنها الملك ولا يزال الملك في النكاح بكل نفقة واجبة وهي النفقة الماضية ونفقة الخادم فغير صحيح.
لأنه للبر في نفقة الخادم، والنفقة الماضية الواجبة غير أنه لا ضرر في الامتناع من ذلك فلم يثبت لها الخيار وعليها ضرر في الامتناع من نفقة الحال فصارت هذه النفقة مثل نفقة العبد سواء
وأما المعارضة بما ذكرت أنه لا يمكن إزالة الملك هاهنا بالطلاق وقولك إن الطلاق إزالة ملك بغير العتق وهو أن يباع فلا حاجة بنا إلى إزالة الملك فيه بالعتق وليس كذلك في الزوجة فإنه لا يمكن إزالة الملك فيها بالبيع ونقل الملك فأزيل بالطلاق ولهذا قلت في أم الولد إنه لما لم يمكن إزالة الملك فيها بالبيع أزلنا ذلك بالعتق على مذهب بعض أصحابنا وهو اختيار الشيخ أبي يعقوب (2).
وأما ما التزمت من الوطء إذا عجز فهو صحيح وهو فصل في المسألة.
قال (لا زال الكلام لأبي إسحاق): فإن الذي يلحق المرأة في ترك النفقة أعظم من الضرر في ترك الجماع فإن الجماع قد تصبر المرأة لفقده والنفقة لا بد منها وبها يقوم البدن والنفس ثم قلنا إنه يثبت الخيار وإن كان لا يمكن نقل الملك فيها بعوض فكذلك هاهنا
وأما قولكم في الجماع لا تتوصل إليه إلا بإزالة الملك وهاهنا تتوصل إليه بأن تستقرض فغير صحيح فإنه يلحقه الضرر بالاستقراض ويطلب ويحبس عليه وإن ألزمناها ذلك يجب أن نلزمها أن تكري لنفسها وفي ذلك مشقة عظيمة ولا يجب إلزامها.
وأما ما ذكرت في أم الولد أنى لا أسلمه فهو صحيح وقولك إني أقيس عليه إذا كان لها كسب فلا يلزم لأنها إذا كان لها كسب فليس هناك إعسار بالنفقة فإن كسبها يكون لمولاها ويمكنه أن ينفق عليها وفي مسألتنا عجز عن الإنفاق على ما ذكرت
وأما الفرق الذي ذكرت فهو صحيح
وقولك إنه لا تتوصل إلى تحصيل النفقة إلا بانقضاء عدة فتزوج آخر فغير صحيح لأنه لو كان لهذا المعنى لوجب أن يفرق فيها قبل الدخول وبعده ولأنه إذا كان قبل الدخول توصل إلى تحصيل النفقة في الحال فسقط ما قلته.
وعلى هذا إن كان لا يوجب إزالة الملك لهذا المعنى فيجب أن يكون في الوطء لا يثبت لها الخيار فإنها لا تتوصل أيضا إلى تحصيل الجماع حتى تنقضي عدتها وتتزوج زوجا آخر وربما كان الثاني مثل الأول في العجز عن الجماع ولما ثبت أنه يزول الملك للعجز عن الجماع بطل ما قلتم والله الموفق للصواب. ا. هـ من طبقات السبكي 245/ 4.
ــــــــــــــــــــــ
(1) فيه جلوس أهل العلم للعزاء وتخصيص مكان له.
(2) يعني البويطي.
ـ[عبد الحكيم بن عبد القادر]ــــــــ[04 - 02 - 10, 10:34 ص]ـ
بارك الله فيك أخي الكريم
أين وجدت هذه المناظرات هل هناك مصنف خاص في مثل هذه المواضيع؟
ـ[أمجد الفلسطينى]ــــــــ[05 - 02 - 10, 11:23 م]ـ
وفيكم بارك الله
هذه المناظرات نقلها السبكي في طبقاته
ولا أعلم مصنفا جمع المناظرات الفقهية
ومظان هذه المناظرات في كتب الطبقات والتراجم
والكناشات أيضا
لكن هناك من جمع بعض المناظرات العقدية لا الفقهية كالسكوني والموصلي والألباني مثلا
ـ[أمجد الفلسطينى]ــــــــ[05 - 02 - 10, 11:56 م]ـ
ومن النظائر والاتفاقات هنا أنه:
- كان كل من الشيخين الشيرازي الشافعي والدامغاني الحنفي قد غسلهما بعد موتهما تلميذهما أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي
- وكان في كل منهما دعابة وطرفة
قال الهمذاني عن القاضي الدامغاني: وكان بهي الصورة، حسن المعاني في الدين والعلم والعقل والحلم وكرم العشرة والمروءة.
له صدقات في السر، وكان منصفا في العلم، وكان يورد في درسه من المداعبات والنوادر نظير ما يورد الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، فإذا اجتمعا، صار اجتماعهما نزهة. ا.هـ
قلتُ: كان الشيخ أبو إسحاق مولعا بإيراد الأشعار والحكيات والطرائف في مجالسه ومناظراته ذكر ذلك مترجموه ومثلوا له
- وكان لكل واحد منهما كثير من الطلبة والأصحاب طبقوا الأرض ونشروا العلم كما ذكر أهل التراجم
- ولم يتفق لأحد منها الحج كما تقدم
- وكان كل منهما ينوب عن شيخه في المناظرة كما تقدم
ــــــــــــ
يتبع الليلة بمناظرة ثانية بين الشيرازي والدامغاني إن شاء الله ...
¥