فقال: لا يمتنع أن يكون الكفر يعتبر في كل واحد من الخراجين ثم يختلف حكمهما بعد ذلك في الاستيفاء كما أن زكاة الفطر وزكاة المال يستويان في أن المال معتبر في حال واحدة فيهما ثم يختلفان في كيفية الاعتبار
فالمعتبر في زكاة الفطر أن معه ما يؤدي فاضلا عن كفايته عندكم والمعتبر في سائر الزكوات أن يكون مالكا لنصاب فكذلك هاهنا يجوز أن يستوي الخراجان في اعتبار الكفر في كل واحد منهما ثم يختلف حكمهما عند الاستيفاء فيعتبر البقاء على الكفر في أحدهما دون الآخر
وجواب ثان: أن الزكاتين إنما أثر الكفر فيهما على وجه واحد لأنهما يجبان على سبيل العبادة فلا يجوز استيفاؤهما بعد الكفر لأن الكافر لا تثبت في حقه العبادات وليس كذلك في مسألتنا فإن الجزية تجب على سبيل الصغار لأن الله تعالى قال حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون وبعد الإسلام لم يوجد الصغار فلا يصح استيفاؤهما وكذلك الخراج في الأرض لا يجب على سبيل الصغار ولهذا يجوز أن يوجد باسمه من المسلمين وهو الذي ضربه عمر رضي الله عنه على الأرض السواد.
وتكلم على الجواب الثاني عن هذا الفصل وهو أن زكاة الفطر تتعلق بالذمة.
فقال: لا يمتنع أن يكون أحدهما في الذمة والآخر في المال ثم يستويان في النصاب كما أن أرش الجناية يتعلق بعين الجاني وزكاة الفطر تتعلق بالذمة ثم لا يعتبر النصاب في واحد منهما.
وأيضا فقد اختلف قول الشافعي في أن الزكاة تتعلق بالعين أو الذمة فدل على أنه ليس العلة فيه ما ذكرت.
وتكلم على الجواب الثالث في هذا الفصل وهو أن زكاة الفطر لا تزداد بزيادة المال.
فقال: لما جاز أن لا تزداد بزيادة المال ثم لا يعتبر فيه النصاب ثم هذا يبطُل بما زاد على نصاب الدنانير والدراهم عندك، فإنه يزداد بزيادة المال ثم لا يعتبر فيها النصاب.
وتكلم على الفصل الثاني وهو الاسترقاق والقتل حيث قال إنهما جنسان يختلفان وهاهنا جنس واحد.
فقال: إنهما وإن كانا جنسين إلا أنهما يجبان بسبب الكفر وكان يجب أن يكون تأثير الإسلام فيهما واحدا كما قلنا في الخراجين.
والثاني أن الخراجين وإن كانا جنسا واحدا فإنه يجب أن يستوفيا في حال الإسلام كالخراج الذي وضعه عمر رضي الله عنه مع الخراج فهما خراجان ثم يجوز ابتداء أحدهما بعد الإسلام فلا يجوز ابتداء الآخر فكذلك هاهنا.
وأجاب عن الجواب الثاني: في هذا الفصل وهو أن الاسترقاق استدامة والقتل ابتداء فعل.
فقال: القتل والجزية سواء لأن القتل قد تقدم وجوبه ولكن بقي بعد الإسلام الاستيفاء كما وجبت الجزية وتقدم وجوبها وبقي الاستيفاء وإن كان القتل لا يجوز بعد الإسلام لأنه ابتداء مع ما تقدم وجوبه في حال الكفر فهما سواء.
وتكلم على المعاوضة على الجواب الأول أن العشر لا يجب بالسبب الذي يجب به الخراج.
فقال: الخراج يجب بإمكان الانتفاع بالأرض ولذلك لا يجب فيما لا منفعة فيه من الأرض كالمستغدَر وما يبطل منه الانتفاع به كما يجب العشر بإمكان الانتفاع فهما يجبان بسبب واحد فإذا جاز ابتداء أحدهما بعد الإسلام جاز البقاء على الآخر بعد الإسلام.
وتكلم على الفصل الثاني وهو زكاة الفطر.
فقال: الجزية لا تجب بالمعنى الذي تجب به زكاة الفطر لأن زكاة الفطر تجب على سبيل العبادة والجزية تجب على وجه الصغار فسببهما مختلف.
فتكلم الشيخ أبو إسحاق على الجواب الأول بأن ذلك حجة لي فقال أما قولك أنه يجوز أن يشترك الحقان في اعتبار الإسلام ثم يختلفان في الكيفية والتفصيل كما استوى زكاة الفطر وزكاة المال في اعتبار المال واختلفا في كيفية الاعتبار فهذا صحيح في اعتبار المال فأما في اعتبار الدين فلا يجوز أن يختلف جاز الابتداء والاستيفاء ألا ترى أن زكاة الفطر خالفت سائر الزكوات في التفصيل في اعتبار المال
ثم الكفر لما كان مباينا لهما والإسلام معتبر فيهما لم يختلف اعتبار ذلك فيهما لا في الابتداء ولا في الاستيفاء بل إذا زال الإسلام الذي هو شرط في وجوبهما أثر الكفر في إسقاط كل واحد منهما ومنع من استيفائهما فكذلك هاهنا لما كان الإسلام منافيا للخراجين والكفر شرط في وجوبهما وجب أن يكون حالهما واحدا في اعتبار الكفر في الابتداء والاستيفاء كما قلنا في زكاة الفطر وزكاة المال.
¥