والقول بالكراهة محكي في مذهب مالك أيضا، وقيل يمنع الأكل مما عنده وكذا قبول هبته.
وذكر محمد بن مصطفى الخادمي الحنفي في كتابه بريقة محمودية: أن المختار عندهم أنه إن كان الغالب حراماً فحرام، وإن كان الغالب حلالا فموضع توقفنا.
وأما الحنابلة فلهم في المسألة أربعة أقوال ذكرها ابن مفلح في الفروع وذكرها غيره، قال: "فإن علم أن فيه حراما وحلالاً كمن في ماله هذا وهذا، فقيل بالتحريم ... وقال الأزجي في نهايته: هذا قياس المذهب، كما قلنا في اشتباه الأواني الطاهرة بالنجسة، وقدمه أبو الخطاب في الانتصار في مسألة اشتباه الأواني، وقد قال أحمد: لا يعجبني أن يأكل منه. وسأل المروذي أبا عبد الله عن الذي يعامل بالربا يؤكل عنده؟ قال: لا. قد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آكل الربا وموكله". وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوقوف عند الشبهة، ومراده حديث النعمان بن بشير، متفق عليه.
والثاني: إن زاد الحرام على الثلث حرم الكل وإلا فلا، قدمه في الرعاية لأن الثلث ضابط في مواضع.
والثالث: إن كان الأكثر الحرام حرم وإلا فلا، إقامة للأكثر مقام الكل، لأن القليل تابع، قطع به ابن الجوزي في المنهاج، وذكر شيخنا ـ ابن تيمية ـ إن غلب الحرام هل تحرم معاملته؟ أو تكره؟ على وجهين، وقد نقل الأثرم وغير واحد عن الإمام أحمد فيمن ورث مالاً: إن عرف شيئاً بعينه رده، وإن كان الغالب على ماله الفساد تنزه عنه، أو نحو ذلك.
ونقل عنه حرب في الرجل يخلف مالاً: إن كان غالبه نهباً أو ربا ينبغي لوارثه أن يتنزه عنه إلا أن يكون يسيراً لا يعرف، ونقل عنه أيضا: هل للرجل أن يطلب من ورثة إنسان مالا مضاربة ينفعهم وينتفع؟ قال: إن كان غالبه الحرام فلا.
والرابع: عدم التحريم مطلقاً، قل الحرام أو كثر، لكن يكره، وتقوى الكراهة وتضعف بحسب كثرة الحرام وقلته، وجزم به في المغني وغيره وقدمه الأزجي وغيره .. انتهى من الفروع 2/ 660 في باب صدقة التطوع.
وقال المرداوي في تصحيح الفروع بعد ذكر القول الرابع: قلت: الصحيح الأخير على ما اصطلحناه. ثم ذكر أن هذا هو الصحيح من المذهب.
والمسألة بحثها جمع من الحنابلة في باب الوليمة من كتاب النكاح.
والحاصل أن من كان جميع ماله من الحرام حرم الأكل منه، وإن كان ذلك هو الغالب، أو الأكثر: كره، إلا ان يكون طعامه قد اشتراه بعين المال الحرام فيحرم. والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى
*********************
الفهرس» فقه المعاملات» قضايا مالية معاصرة» الانتفاع بالمال الحرام (586)
رقم الفتوى: 59045
عنوان الفتوى: حكم معاملة من ماله مختلط من الحلال والحرام
تاريخ الفتوى: 07 محرم 1426/ 16 - 02 - 2005
السؤال
المرجو منكم إفادتي في أقرب وقت ممكن وجزاكم الله خيرا
أنا موظفة حكومية وأراعي الله في عملي، لي زميلات مثلي نحاول أكثر من المستطاع إرضاء الله في عملنا ونرجو من الله القبول، لكن السؤال أو المشكل الذي يلح علينا هذه الأيام ومن قبل هو أن زملاءنا و زميلاتنا في العمل غفر الله لهم مرتشون، حاولنا قدر الإمكان نصحهم بالتلميح أحيانا وبالتصريح أخرى لكن يتعللون بشتى الأساليب ونقنعهم أن هذا حرام لكن لا حياة لمن تنادي فهم يقولون الله يغفر لنا الله يسامحنا لكن لا يحاولون تغيير ما بأنفسهم لهذا اعتزلناهم لكن المشكل أنه في كثير من الأحيان تنزل نازلة أو يكون هناك فرح لدى أحدنا فيكون هناك نوع من التكافل بشكل اختياري فنجمع قدرا من المال إما مشاركة في الأفراح أو الأتراح فأنا وزميلاتي الملتزمات نؤدي واجبنا لكن عندما يكون الحدث عندنا نتهرب لأن أموالهم مشبوهة لكن لا نصرح لهم بهذا السبب فيلحون علينا لنأخذ لأننا لم نتأخر أبدا عن المساعدة في يوم من الأيام فهل إذا أخذنا هذا المال فهل علينا وزر أم لا أفيدونا جزاكم الله خيرا والسؤال الآخر في بعض الأحيان تضطرنا ظروفنا أن نعمل بشكل مستمر فيأتي أحدهم بأكل فنرفض الأكل بعدة حجج لكن في كوامننا نرفض لأن الأكل من مال مشبوه فهل معنا حق أم لا أي هل نأكل من طعامهم أم لا جزاكم الله خيرا على سعة صدركم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما سألت عنه له حالتان:
الأولى: أن يكون هؤلاء الأشخاص كل مالهم من الحرام، ففي هذه الحالة لا يجوز التعامل معهم لا بيعا ولا شراءً ولا غير ذلك من المعاوضات، ولا يجوز قبول هداياهم وهباتهم ولا الأكل من طعامهم ولا غير ذلك من التبرعات.
والثانية: أن يكون مالهم مختلطا من الحلال والحرام، ولهذه الحالة حالتان:
الأولى: أن تكون المعاملة (معاوضة كانت أو تبرعا) في عين المال الحرام فلا تجوز حينئذ.
والثانية: أن تكون في غير عين المال الحرام، ولأهل العلم في ذلك أقوال:
فمنهم من قال: إن المعاملة تكون حينئذ محرمة.
ومنهم من قال: إنها مكروهة وليست حراما، وهذا هو الذي عليه جماهير الأئمة، وراجع التفصيل في الفتوى رقم: 6880.
وذهب ابن حزم إلى أن ذلك مباح، قال في المحلى: وقد ابتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما من يهودي بالمدينة ورهنه درعه، فمات عليه السلام وهي رهن عنده، وذكرناه بإسناده في كتاب الرهن من ديواننا هذا، فهذه تجارة اليهود جائزة ومعاملتهم جائزة، ومن خالف هذا فلا برهان له.
والظاهر من سؤالك هو أن هؤلاء الأشخاص مالهم مختلط من الحلال والحرام. وعليه؛ فمعاملتهم حينئذ مكروهة عند الجمهور وليست محرمة، هذا مع أن رأي ابن حزم بالجواز دون كراهة له حظ كبير من النظر، وينبغي عليك الاستمرار في نصحهم.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى
********************************
¥